تغريدة الشـــــــعر العربي
السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد
-------------------------------
((( بلاد المليون شاعر !! )))
موريتانيا
=
من بين أضرحة الجبال السود
يمضغها اللهيب
من أضلع الغابات يحرقها اللظى
حرقاً وينفثها هباء أسودا
ومن السهول الخضر تسلخ أرضها
نار الحروب
تشوي سنابلها القنابل والمدافع
طلعت على الدنيا من الشرق البعيد
شمس الصباح وغرة اليوم الجديد
" من قصيدة : المجد للانسان – للشاعر الموريتاني المعاصر أحمد عبد القادر "
-------------
من نواكشوط الي شينقيط نتوجل بين ساحات الابداع و لا سيما الشعر أكسجين الحياة في هذا المجتمع العريق و التراث التليد من موريتانيا الحبيب حيث الجمال و التاريخ نقطف من شهد الكلمات فالشعر هو مرايا الروح عند الرجل و المرأة بل الطفولة في هذا المكان العبقري حيث تنعكس أصوات الوجود في حكمة بالغة و لم لا فالشعر تحية الصباح و المساء ---
و في البداية كانت هذه الانطلاقة مع وحي القصيد ---
نعم يقول : العراق بلد المليون نخلة و القاهرة مدينة الألف مأذنة ، و الجزائر بلد المليون شهيد ، و موريتانيا بلد المليون شاعر و هكذا ----
و هذا أن دل فأنما يدل علي رمز التميز بهذه الصفات عبر رحلة الحياة
و من ثم نتوقف مع قطر عربي مغربي عزيز يطل علي طبيعة الحياة الجمالية بين الماء و اليابس و الخضرة و العبق التاريخي ألا و هو " موريتانيا "
ويكفي أن في «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين» الذي أعدته ونشرته مؤسسة عبد العزيز سنة 1995 والذي جاء فيه ان عدد شعراء موريتانيا المعاصرين يبلغ 60 شاعرا
و هذا يدل علي زخم الشعر و الشعراء في موريتانيا حضورا علي سائلر الوطن العربي الكبير ---- !!
أطلق على موريتانيا ، منذ عقود ، " بلد المليون شاعر " .. الواقع أن في كل أسرة موريتانية " شاعر أو أكثر " !!. هذا ما أكده النقاد والدارسون . وفي كتاب " أضمومة من الشعر الموريتاني " الذي صنفه الأديب والمحامي الراحل يوسف غاله رحمه الله – مايؤكد هذه المقولة .
إن موريتانيا هي الثغر الغربي من وطننا العربي المحاصر ببحر الظلمات " المحيط الأطلسي " والصحراء الكبرى ، وحرارة شمس أفريقيا الحارقة ، وقد ظل هذا الثغر الغائي عن مركز الدولة العربية ، سواء في دمشق ، أو بغداد ، أو القاهرة ، ظل مجهولاً أو منسياً ، بسبب البعد وصعوبة الوصول إليه .
لكن الموريتانيين ظلوا مخلصين للعروبة والعربية ، ومرتبطين بقضايا الأمة العربية . فها هو الشاعر إسماعيل محمد يخاطب سيناء بقوله :
• إنا محيوك ياسينا فحيينا وشاطرينا أساك المرّ ياسينا
• فنحن في الغرب جزء منك مغترب وأنت في الشرق جزء من أراضينا
أطلق النقاد لقب "بلاد المليون شاعر" على موريتانيا بعد أن لاحظوا عشق أبنائها للشعر وولعهم به ودوره في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للبلاد، وتناقلت أقلام الكتّاب هذا اللقب وأعجبت به وسائل الإعلام حتى ارتبط اسم البلاد به وأصبح علامة مسجلة لموريتانيا،
ثمة علاقة حميمة بين الموريتانيين والشعر، فزائر هذه البلاد يلاحظ انتشار تداول الشعر بين أهلها إنتاجاً ورواية وتمثلاً واستشهاداً----
مما جعل بعض النقاد يقول واصفاً هذهالعلاقة:
"الشعر خبز جوهري لأبناء شنقيط، يأكلون منه ولا يشبعون، وينهلون من نبعه ولا يرتوون، فهم والشاعرية توءم وجود، تحدرت معهم من أصلاب جدودهم، وعايشتهم في طفولتهم وشبابهم ورجولتهم واكتهالهم، فأنى لهم أن يتقبلوا الحياة دون قافية تدندن.. الشعر هو كيمياء السعادة لدى كل فرد موريتاني وفاعل المعجزات في نفسه".
و مما لا شك فيه و لا جدال أن مفهوم الشعر يتسع للشعر الفصيح والشعبي وحتى النظم لمبدعي موريتانياً يقدمون علي هذا اللون
كل على مدي مستواهم، و الشكل الذي يروق له بداية من الفقهاء والعلماء و غيرهم من الذين ينظمون به معارفهم المختلفة نحواً وصرفاً وفقهاً وعقيدة، هلم جرا
وإضافة إلى وجود الشعر في الحياة اليومية للموريتانيين في أحاديثهم وجلساتهم وسمرهم الليلي، فهو حاضر في التاريخ والحضارة وكان معياراً يقيس به الناس خصال المرء، فالناس كانوا يحبون الحاكم الشاعر ويمتثلون لأوامر رئيس القبيلة الذي ينافس أشهر الشعراء، فالمطّلع على تاريخ وثقافة هذا البلد يدرك ما يمثله الشعر بالنسبة للشناقطة حيث أن له سلطة وسيادة اجتماعية وثقافية نادرة الوجود، فالخصال التي تمكن صاحباً، قديماً، من احتلال مكانة هامة في محيطه يأتي على رأسها إتقان نظم الشعر، لتتوالى بعدها باقي الخصال كالنسب الرفيع وفنون القتال ودماثة الأخلاق.
و في تحقيق مجلة العربي سنة 1967 حين خصصت أول تحقيق عن موريتانيا بعنوان "نواكشوط...أحدث عاصمة في أقصى منطقة من وطننا العربي" حيث أسند كاتب التحقيق هذه الكلمة إلى محاوريه من المواطنين الموريتانيين عندما قال: "وسألناهم: كم عدد سكان موريتانيا فأجابوا: مليون... مليون شاعر.. نعم فكل أهالي موريتانيا شعراء"، وقتها كان إحصاء السكان يقارب هذا العدد.
و من ثم فقد رافق الشعر المحطات الكبرى في حياة الأمة الموريتانية، لا سيما في المجتمع البدوي القديم الذي شكّل الشعر لديه خط دفاع متقدم في معارك القبائل. وتاريخياً، ابتكرت المرأة الموريتانية لوناً شعرياً خاصاً بها عُرف باسم "التبراع"، وهو ومضة شعرية ذات بعد دلالي هائل.
أما خلال العصر الحديث، فمن المعروف أن الشعر تصدّر المقاومة الثقافية ضد الاحتلال الفرنسي. وكان الفرنسيون قد وضعوا عيوناً خاصة لرصد الإنتاج الشعري المقاوم، وقاموا بسجن الشعراء الذين سخروا في قصائدهم من قتلى الاحتلال على يد المقاومين.
أما أولى حكومات الاستقلال (1960)، برئاسة الرئيس الراحل المختار ولد داداه، فكانت تضمّ العديد من الشعراء. وكان ولد داداه يبدأ الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء بمناقشة آخر القصائد التي قالها الشعراء الموريتانيون فيما يحكي كل وزير عما سمع من جديد الشعر، ويتم التركيز على القصائد التي تهجو الرئيس والحكومة، وخاصة ما أنتجه شعراء حركة "النهضة" التي كانت أخطر الحركات المناوئة للنظام وقتذاك. يروي الشاعر الكبير ناجي محمد الإمام، الملقب بـ"متنبي موريتانيا"، أن اثنين من وزراء ولد داداه كانا مناوئين لنظامه، وكان كل منهما يقرأ قصائد الآخر في مجلس الوزراء دون أن يسمي القائل.
وكان الرئيس داداه يتغاضى عن ذلك.
و من شعراء موريتانيا الرواد علي سبيل المثال :
محمذن ولد عبد الرحمن الحسني (ت حوالي 1142هـ). - محمدن بن بو المختار الحسني الملقب بـ"الذئب الكبير" - ابن رازقه العلوي: سيدي عبد الله بن محمد بن القاضي، (ت 1144 هـ) - المصطفى ولد بو احمد (بوفمين) المجلسي (ت1170هـ) - محمد اليدالي الديماني: محمذن بن سعيد الديماني اليدالي (ت 1166هـ) - المختار بن بونا الجكني (1190- 1220هـ) - الشيخ سيدي المختار الكنتي - حرمة بن عبد الجليل العلوي(ت 1243 هـ) - المأمون ولد محمد الصوفي اليعقوبي.(ت 1238هـ) - مولود بن أحمد الجواد اليعقوبي (1243هـ) - الشويعر الفاضلي الحسني، لقب بشاعر الأنبياء (توفي 1247 ه) - محمدن ولد عبد الله (الأحول) الحسني - سيدي امحمد بن الأمين الكنتي. (ق 13ه) - امحمد بن الطلبه اليعقوبي. (ت 1272هـ) - حبيب الله ولد الأمين الحسني الشقروي. و غيرهم كثيرون
يقول حبيب الله الشقروي :
في أضلعي جمر
عـلى وجنـتـي مـاءٌ وفـي أضلعـــــــي جَمْرُ لشمسٍ بـدت لـي قبـل أن يـطلع الفجــــــرُ
فبتُّ عـن الأصحـاب أغفر لـوعتـــــــــــي ونجـمِيَ تـالـي النجـمِ لا السَّعـــد والغَفْر
عفـا الله عـن سلـمـى تطـاول هجـرُهـــــا وفـوق ثلاثٍ مـا يُبـاح لنـا الهجــــــــر
وتحسب وِزْرًا أن تـردَّ تحـيَّتــــــــــــــي وقَتْلـي أشدُّ الـوِزر لـو يُتَّقى الـــــــوِزر
نَعـمْ هِيَ خمـرٌ حـبّهـا هـوَ غُصّتـــــــــــي وتَسْويغهـا شـرعـاً تسـوغُ له الخمــــــــر
وأيسـر ضُرَّيْ شـرعـنـا إن تعـارضـــــــــا خـصـوصـاً، ونهجـي مـا يكـون بـه الـــيُسْر
ولـم آتِ إلا نهجَ مَنْ قبـلَ عصرنــــــــــا ولكـننـي آتٍ بـمــــــــــــا يجهل العصر
فأنكرَه مـن قـدَّروا فـوق قــــــــــــدره إذا قَلَّ معـلـومُ الـمــــــــرا كَثُر النُّكر
كما يوجد شعراء معاصرون منهم :
محمد ولد عبدي ، و أحمد عبد القادر ، شيخنا حيدرا ، و ليلي شغالي ، و مباركة بنت البراء ، و غيرهم كثيرون أيضا
و ها هو الشاعر الموريتاني المعاصرأحمد عبد القادر صاحب قصيدة " المجد للانسان " حيث تم توظيف عناصر الطبيعة للتعبير عن كفاح الشعوب، كما استخدم الفجر والصباح تعبيراً عن الحرية وانتصار كفاح الشعوب ضد المستعمر، حيث يقول:
من بين أضرحة الجبال السود
يمضغها اللهيب
من أضلع الغابات يحرقها اللظى
حرقاً وينفثها هباء أسودا
ومن السهول الخضر تسلخ أرضها
نار الحروب
تشوي سنابلها القنابل والمدافع
طلعت على الدنيا من الشرق البعيد
شمس الصباح وغرة اليوم الجديد
وهاجة الأنوار تعبث بالجليد
وتذيب أنياب الحديد
وتحرك الآمال في أمم العبيد
طلعت من الفيتنام
رمز بطولة المستضعفين...
حتي الأطفال الصغار يحفظون القصائد بل و يرتجلون بالكلمات الشاعرة كنقطة بداية فالشعر كالهواء و الماء و الخبز في حياة المجتمع الموريتاني ذكورا و اناثا معا فهو صوت الحياة القوي و رصانة اللغة سياج الدين و التعبير عن مظاهر الوجود
و سواء تحققت المقولة بلد المليون شاعر عداا ام كناية عن زخم حالة الشعر و الشعراء في موريتانيا يظل الشعر مرآة الصدار في هذا المجتمع دائما
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله
إرسال تعليق