حجاجهم و حجاجونا
مقالة بقلم علي الشافعي
الحَجّاج وما أدراك ما الحجّاج ؟ ما من رجل ــ يا دام مجدكم ــ شغل الناس , وأحدث جدالا على مرّ العصور كحجاج بني أمية , حتى قيل : الحجاج لعنة بني أمية على الناس , أو لعنة الناس على بني أمية .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : لو تخابثت الأمم إلى يوم القيامة ثم جئنا بالحجاج لغلبناهم . لكن عمر رحمه الله لو عاش في هذا العصر , ورأى حجاجي عصرنا فلربما غير رأيه , وعرف كيف يكون الخبث على أصوله . كيف ؟؟ الأمر ـــ يا دام عزكم ــ يحتاج إلى شيء من الشرح, تعالوا نبدأ القصة من أولها , ثم نعقد مقارنة بين حجاج بني ا أمية , وحجاجي عصرنا , ونري مقولة عمر رحمه الله على من تنطبق .
معلم للقران الكريم في الطائف التي ولد فيها سنة أربعين للهجرة المباركة نظر حوله فرأي الأخطار تحدق بالدولة الاسلامية من كل الجهات , حيث عقدت البيعة لثلاثة خلفاء في وقت واحد ؛ عبد الله بن الزبير في الحجاز والعراق وخراسان , عبد الملك بن مروان في الشام ومصر , وشبيب الشيباني أمير الخوارج في الجزيرة الفراتية وفارس , إضافة الى خطر الروم المتربصين بالدولة الإسلامية , ويتحينون الفرصة للانقضاض عليها , وخطر بقايا الفرس وخاصة حصن الديبل الذي أغار اكثر من مرة على ثغور المسلمين وقتل وسبى .
بنظرة ثاقبة أدرك الحجاج أن المستقبل لبني أمية , فهُم الأحزم والأقدر على سياسة الدولة , حمل الحجاج عصا الترحال وانطلق ميمما الشام , للالتحاق بجند عبد الملك بن مروان بتزكية من قائد شرطته روح بن زنباع , فأبدى من الحزم والعزم وقوة الشكيمة والرأي ما لفت نظر الخليفة الأموي عبد الملك, فاعجب بهمة هذا الجندي وطموحه وشدة ولائه للبيت الأموي , وما هي إلا أشهر عدة حتى أصبح من القواد البارزين , المشهورين بسطوتهم وجبروتهم .
انتدبه عبد الملك بن مروان لقتال مصعب بن الزبير( والي عبد الله بن الزبير على العراق ) , وإخضاع البصرة والكوفة لدولة الخلافة الاموية , فقاتل مصعبا وقتله , ودان العراق بشقيه لسلطان بني أمية , وأخمِدت ثوراته . بعد ذلك أرسله لحصار ابن الربير رضي الله عنه في مكة المكرمة , وإخضاع الحجاز كما أخضع العراق للحكم الاموي ( سنة 73هـ) , فذهب وحاصر مكة وضربها بالمنجنيق , حتى سقطت إحدي شرفات الكعبة المشرفة على عبد الله فقتلته , ودخل الحجاج مكة فاتحا مزهوا بنصره , وصلب ابن الزبير على بابها .
وجزاء له ولاه عبد الملك على العراق واطلق يده , فطغى وبغى وتكبر وتجبر وسفك دماء كثيرة . لكنه بالمقابل أخمد الثورات في المشرق كله , وعلى رأسها الخوارج وخراسان . تفرغ بعد أن استتب الأمر للفتوح , فارسل جيشين كبيرين : الأول بقيادة (قتيبة بن مسلم ) توغل شمالا فاتحا جنوب روسيا حتى تخوم الصين , والآخر بقيادة (محمد بن القاسم ) أخذ خط الساحل باتجاه الشرق حتى فتح عاصمة السند ( باكستان والبنجاب حاليا), ثم انتشر الإسلام في بلاد المشرق .
عندما توفي عبد الملك , وتولى ابنه الوليد أقر الحجاج على عمله , وعرف له قدره وأعلى شانه , ولم يقبل شكاية عليه من أحد . أشار الحجاج عليه بتسيير جيش لفتح الأندلس وقد كان , فاستتب الأمر لبني أمية من تخوم الصين شرقا الى الاندلس غربا في رقعة من الأرض ما شهد التاريخ لدولة بحجمها . وفجأة مات الوليد ومات الحجاج( سنة95هـ ) وتوقفت جيوش الفتح في المشرق والمغرب .
والان جاء دور التقييم : ما يؤخذ على الرجل أنه كان باطشا جبارا , يأخذ بالشبهة , يقتل ويعذب ويسجن , يقال : عندما توفي وجد في سجنه خمسين الف رجل وثلاثين الف امرأة والله أعلم , فأعداؤه وأعداء بني أمية كثر وخاصة الشعوبية فلربما أفتري عليه , ومن بين ضحاياه العالم الفذ سعيد بن جبير .
بالمقابل فقد ثبّت أركان الدولة الاسلامية , ووسع رقعتها بالفتوحات وقضى على الثورات . ويرجع له الفضل إذ أشار على عيد الملك بتنقيط حروف المصحف , فقد كانت حروف المصحف العثماني غير منقطة والعرب بسليقتها تفرق بين الحاء والخاء والعين والغين والسين والشبن , بدون النقط . فلما كثرت الفتوح وشاعت العجمة , احتاج الناس للتفريق بين الحرف المنقوط وغير المنقوط . كذلك أشار عليه أن يعرّب الدواوين ( تكتب بالعربية), وبصك الدينار الذهبي الإسلامي , بدلا من العملة الرومانية , التي كان المسلمون يتداولونها في تجارتهم . هذا هو حجاج بني أمية مثير الجدل , فقد خلط أعمالا حسنة باخري سيئة , ويبقى الحكم عليه لخالقه , ولا يحق لنا تكفيره أو شتمه , أو الإنقاص من انجازاته .
في موقع الإسلام ويب يقول : " كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج ، وإن كان متسرعاً في سفك الدماء ، قلت: الحجاج أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء ، وقد كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد ، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن ، فكان يعطي على القرآن كثيراً، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلاثمائة درهم. والله أعلم" .
أما حجاجو عصرنا فانظروا ــ رحمكم الله ــ ولنبدأ من أقصى إلى أقصي فأحدهم : أجبر مواطنيه على الركوع بحضرته , وتقبيل أياديه الطاهرة , يحكُم ولايته بالقمع والحديد والنار . والثاني ركب دبابة أجنبية وبأمرها ائتمر , فأحرق وخرب ودمر وهدم , وقتل وشرّد وسجن أهله وابناء جلدته , وبنى قصوره من جماجم أطفالهم . وثالثهم: نصب مدافعه وقدف حممها على مدن وقرى أبناء وطنه , فأحرقت كل شيء , وحصدت أرواح مئات الالاف وشردت الملايين , ورابع تحالف مع الشياطين. وآخر انزل فرسانه الساحات والميادين لضرب كل من يقول لا . وسادس يتآمر مع العدو ضد أبناء أمته , وسابع وثامن ..., والحبل على الجرار , يتنافخون : سنحارب المحتلين ونخرجهم أذلة صاغرين , فلا حاربوا المحتل ولا قيمة لهم عنده , والمشكلة أن رفوف المكتبات تعج بإنجازاتهم , وملايين الحناج تهتف بآلائهم , فما رأيكم إذن يا دام فضلكم ؟ الحكم لكم . طابت أوقاتكم .
إرسال تعليق