GuidePedia

0
النقد الأدبي في عصر الخلافة الراشدة
الحمد لله الذي خلق الانسان وعلمه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ،صلى الله عليه وعلى صحابته وتابعيهم إلى يوم الدين ،. .....أما بعد..
يطلق عصر الخلافة الراشدة على حكم الخلفاء الراشدين ، ويبدأ هذا العصر بمبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة ، وقد بويع الصديق يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالخلافة في سقيفة بني ساعدة في جمع حضره المهاجرون والأنصار، ثم في اليوم التالي مباشرة وهو اليوم الثالث عشر من ربيع الأول للعام الحادي عشر من الهجرة بويع الصديق رضي الله عنه البيعة العامة في جموع الناس .
ويستمر هذا العصر حتى تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة لمعاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما ، بشروط وضعها الحسن وقبلها معاوية بل وزاد عليها ، كان أهم هذه الشروط ،حقن دماء المسلمين ، وكان ذلك في وكان ذلك في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول للعام الحادي والاربعين من الهجرة .(١)
وبذلك تكتمل مدة الثلاثين عاما التي اخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه
عن سَفِينَةُ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْخِلاَفَةُ فِي أُمّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ سَفِينَةُ: امْسِكْ عَلَيْكَ خِلاَفَةَ أَبي بَكْرٍ، ثُمّ قَالَ: وَخِلاَفةَ عُمَرَ وَخِلاَفَةَ عُثْمانَ، ثُمّ قَالَ لي: امسِكْ خِلاَفَةَ عَلِيّ قال: فَوَجَدْنَاهَا ثَلاَثِينَ سَنَةً).(٢)
وكان هذا الأمر من الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ،
قال الحسن البصري: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء الحسن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من الـمسلمين». (٣)
وقد كان الإلتزام بقيم الإسلام وتعاليمه هو الأساس الأول للنقد في هذا العصر ، فقد حث الخلفاء الراشدون الشعراء على قول الحق ، وامتدحوا من وافق قوله آداب الإسلام حتى ولو كان من شعراء الجاهلية.
غير أننا لا يمكن أن نطلق على نقد هذا العصر أنه كان نقدا ممنهجا ،بمعنى أن له قواعد ومدارس نقدية ، فقد كان معظمه نقدا فرديا قال به الخلفاء الراشدون خاصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولم يقف نقد هذا العصر عند نقد الشعر فقط ، بل تجاوزه إلى تقويم اللغة ، كما سيتضح فيما يلى .
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه ونقد الشعر :
وردت لأبي بكر رضي الله عنه إشارات نقدية ، وهي وإن كانت قليلة إلا أنها تنم عن خبير بفنون الشعر ولغة العرب ومن ذلك موقفه مع النابغة الجعدي :
أنشده لبيد قوله ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري ألا كل شيئ ماخلا الله باطل)
فقال له منوها بانسجام فكرته مع الفكرة الإسلامية : صدقت ،ولكن حين قال ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري وكل نعيم لا محالة زائل ) ، أنكر عليه ذلك وقال له: كذبت عند الله نعيم لا يزول .(٤).
كما أنه رضي الله عنه كان يفضل النابغة الذبياني ، ويقول ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري هو أحسنهم شعرا ،وأعذبهم بحرا ، وأبعدهم قعرا ).(٥).
روي أنه رضي الله عنه سأل رجلا يبيع الثياب فقال :أتبيعني هذا الثوب يا رجل ؟ قال الرجل :لا عافاك الله، ففطن ابو بكر رضي الله عنه إلى هذا الإستعمال اللغوي الذي قرره البلاغيون فيما بعد في مسألة الفصل والوصل ، وقال للرجل :قل لا وعافاك الله ،بالفصل بالواو .(٦).
-عمر رضي الله عنه ونقد الشعر :
يقول ابن رشيق عن عمر :(كان من أنقد أهل زمانه للشعر ، وأنفذهم فيه معرفة ).(٧)
وكان عمر رضي الله عنه يقول :
"خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته، يستميل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم"(٨)
وقال أيضا- رضي الله عنه - لأبي موسى الأشعري: "مرْ مَن قبلك بتعلم الشعر، فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب"(٩)
ومواقف عمر النقدية أكثر من نوجزها في مقال،فقد ألفت فيها مؤلفات ولكننا نضرب مثلين أو ثلاثة من نقده رضي الله عن.
.
ومن ذلك - ما روي أن عمر رضي الله عنه كان يكثر من ترديد بيت زهير:
فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء
متعجبا من علمه بالحقوق، وتفصيله بينها، واستيفائه أقسامها، وكان يقول: "لو أدركت زهيرا لوليته القضاء لمعرفته"(١٠)
وأية معرفة في دائرة الحق واقتضاء الحقوق أدق من التقاء فكر زهير في جاهليته مع ما ارتضاه الإسلام قاعدة بعد ذلك، وما قرره من مبدأ: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"
واستحسان عمر لبيت زهير قائم على أساس ديني؛ لأنه - أي بيت زهير - يلتقي مع أصل من أصول التشريع الإسلامي.
وشبيه بهذا الاستحسان - في قيامه على أساس ديني - نقده لشعر سحيم عبد بني الحَسحاس حين أنشد عمر قصيدته التي مطلعها:
عُميرة ودّع إن تجهّزت غازيا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
- وذلك بقوله: (لو كنتَ قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك) .
وهنا يضع عمر في حكمه ما تقتضيه متطلبات الدين الجديد التي تفرض على الإنسان أن يقدم الدين على كل ما عداه.
كذلك - نقده للحطيئة حين يقول:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجدْ خير نار عندها خير موقِد
وذلك بقوله: "كذب، بل تلك نار موسى نبي الله صلى الله عليه وسلم"(١١)
فالشاعر هنا جانب الصدق، وزعم أن نار ممدوحه خير نار، وأنه خير موقد، وفي هذا مخالفة للحقيقة.
وعلى الرغم من أن أحكام عمر النقدية قد اتسمت بالجزئية فاتجهت إلى الصياغة، أو المعاني، ولم يتطرق إلى جوانب أخرى في النص الأدبي.. شأن الأحكام النقدية التي سبقته إلا أننا نجد في نقد عمر شيئاً جديدا لم يألفه القارئ من قبل عمر، وهو أن نقده كان موسوما بالتعليل، ومشفوعا بذكر الدواعي والأساليب في غالبيته.
(فعمر هو أول ناقد تعرض نصا للصياغة والمعاني، وحدد خصائص لهذه وتلك، وهو أول من أقام حكما في النقد على أصول متميزة.. فأسند رأيه في زهير إلى أمور محسّة، وأسباب قائمة) (١٢)
-عثمان بن عفان ونقد الشعر :

كان عثمان رضي الله عنه على برغم زهده يتذوق الشعر ، وينظر فيه وينقده مسببا ومعللا الحكم .
أنشد قول زهير :
ومهما تكن عند امرىء من خليقة .....وإن خالها تخفى عن الناس تعلم
فأعجبه صواب معناه ، وقال : أحسن زهير وصدق ، لو أن رجلا أدخل بيتا في جوف بيت لتحدث به الناس .
-علي بن أبي طالب ونقد الشعر:
كان الإمام علي كرم الله وجهه ذا موهبة فاذة في تذوق الشعر ونقده ، وكان نقده كرم الله وجهه كنقد غيره من الخلفاء الراشدين ، أساسه هو موافقة تعاليم الإسلام .
يقول عنه عباس محمود العقاد :(إن نقد علي للشعراء كان نقد عليم بصير ،يعرف اختلاف مذاهب القول، واختلاف وجوة المقابلة والتفصيل على حسب المذهب ...).(١٣)
روي عنه رضي الله عنه أنه قال لو أن الشعراء المتقدمين ضمهم زمان واحد ،ونصبت لهم راية فجروا معا علمنا من السابق منهم ، وإذا لم يكن ، فالذي لم يقل لرغبة ولا لرهبة ، فقيل : ومن هو ؟ قالى: الكندي .قيل ولما ؛ قال : لأني رأيته أحسنهم نادرة ، وأسبقهم بادرة ، وأنه لم يقل لرغبة ولا لرهبة .(١٤)
المصادر والتخريجات:
١- من أراد الاستزادة في ذلك فليرجع إلى :
-العواصم من القواسم للقاضي أبي بكر بن العربي.
-ناريخ لأمم والملوك للطبري
- البداية والنهاية لابن كثير
٢-الحديث رواه أحمد وحسنه الأرناؤط.
٣-الحديث رواه البخاري.
٤-البيان والتبيين للجاحظ ١/٩١
٥-العمدة لابن رشيق ،١/٩٥
٦-انظر العمدة لابن رشيق ، وانظر في النقد الأدبي عند العرب ،مصطفى عبد الرحمن ابراهيم ،ص: ٨٨.
٧-العمدة لابن رشيق ،١/٢٠ ، وانظر تاريخ النقد الأدبي عند العرب ، عبد العزيز عتيق ،ص:٦٢.
٨-البيان والتنيين للجاحظ ٢/٩٩.
٩- انظر العمدة لابن رشيق
١٠-خزانة الأدب ٢/١٨٢
١١-الأغاني لأبي الفرج ،٢/٢٠٠
١٢- تاريخ النقد الأدبي عند العرب
١٣- عبقرية الإمام على للعقاد ،دار المعارف ،ص:١٣٩
١٤_العمدة لابن رشيق

إرسال تعليق

 
Top