أ.د. لطفي منصور
مادَّةُ "لَحَنَ" وَمَا قِيلَ فِيها، وَمَا تَفَرَّعَ عَنْها:
كَثُرَ الْقَوْلُ في الْجَذْرِ (ل.ح.ن) فَآثَرْتُ أَنْ أُبَسِّطَهُ لِلْقُرّاء مُبَيِّنًا الْفَرْقَ بَيْنْ اللَّحْنِ الذي هُوَ الخَطَأُ في الإعْرابِ، وبَيْنَ اللَّحْنِ الذي هُوَ الطًرَبُ والْغِناءُ.
وَقَدْ كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُ في المَوضوعِ دِراسَةً صَغيرَةً في أواسِطِ السَّبْعِينِيّاتِ مِنَ القَرْنِ الماضَي، يَوْمَ كُنْتُ مُحاضِرًا في دارِ المُعَلِّمينَ العَرَبِ في هَدار عام. وَنَظَرْتُ في المعاجِمِ القَديمَةِ الْمُهِمَّةِ لِأعْرِفَ كَيْفَ تَتَعامَلُ مَعَ هذا الجَذْرِ، مَعَ عِلْمِي أنَّ هَذِهِ المعاجِمَ لا تَهْتَمُّ بِالْمَعْنَى اهْتِمامَها بِالضَّبْطِ اللُّغَوِيِّ. فراجَعْتُ دِراسَتي الْقَديمَةَ، لِغَرَضِ التَّبْسِيطِ والتَّنْقِيحِ
وَلِلِاخْتِصارِ أَقُولُ:
لِلْجَذُرِ (لَحَنَ) ثَلاثَةُ مَعانٍ رَئِيسَةٍ هيَ:
- اللَّحْنُ: الْخَطَأْ في الإعْرابِ.
- اللَّحْنُ: الطَّرَبُ والغِناءُ.
- اللَّحَنُ: الْفِطْنَةُ، وَهْوَ بِفَتْحِ الحاءِ في المُضارِعِ والمَصْدَرِ. نَقولُ: لَحَنَ يَلْحَنُ لَحَنًا. أمَّا الْحالَتان السّابِقَتان فالمَصْدَرُ مُسَكَّنُ الْحاءِ لا غَيْرَ.
ومَعْنَى الفِطْنَةِ هنا، أَنْ يُوَرِّيَ الإنْسانُ في كَلامِهِ فَلا يَفْهَمُهُ إلّا الْمُخاطَبُ الذي يَعْرِفُهُ المتكَلِّمُ، أمّا المستَمِعونَ فلا يفهَمونَهُ.
فَمِثْلُ هذا جَاءَ في القرْآنِ والْحَدِيثِ والشِّعْرِ، وسَأُمَثِّلُ عَلَى هذا لِتَنْبَلِجَ الصُّورَةُ أكْثَرَ، لِأَنَّ هذا هُوَ المُهِمُّ في هَذِهِ الرِّسالَةِ.
- فَفِي القرْآنِ الكريمِ (محمّد آية ٣٠): (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهمْ فَلَعَرَغْتَهُمْ بِسيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِ.. الآيَةَ). وَلَحْنُ القَوْلِ إمالَتُهُ إلَى التَّعْريضِ وَالتَّوْرِيَةِ. وَقِصَّةُ السّامِ في التَّحِيَّةِ مَعْروفَةٌ. فَعِنْدَما كانَ الْمُنافِقونَ يَمُرُّونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، يُلْقُونَ عَلَيْهِمْ تَحِيَّةَ: "السّامُ عليكم"
والسّامُ هُوَ السُّمُّ أو الأفْعَى السّامَّةُ.
- وفِي الحديثِ الشَّريفِ: "لَعَلَّ أحَدَكُم أنْ يَكونَ أَلْحَنَ مِنَ الآخَرِ". أيْ أَعْرَفَ بِالْحُجَّةِ وَأَفْطَنَ لَهَا.
(النِّهايَةُ في غرببِ الْحَدِيثِ ٤:٢٤١)
- في الشِّعْرِ:
مِنَ الذينَ اشتهروا في اللَّحَنِ جارِيَةٌ للشّاعِرِ الأُمَوِيِّ مالِكِ بنِ أَسْماءَ الْفَزارِيِّ أخُو هِنْدٍ الفَزارِيَّةِ زَوْجَةِ الْحَجّاجَ.
ومالِكٌ شاعِرٌ غَزِلٌ ظَرِيفٌ. وَهُوَ الذي يَقُولُ في جاريَتِهِ التي كانَتْ تَلْحَنُ: مِنَ الخفيف
أَمُغَطًّى مِنِّي عَلَى بَصَرِي بِالْ م
حُبِّ أَمْ أَنْتِ أَكْمَلُ النّاسُ حُسْنَا
وَحَديثٍ أَلَذُّهُ هُوَ مِمَّا
يَشْتَهِي النَّاعِتُونَ يُوزَنُ وَزْنا
مَنْطِقٌ صائِبٌ وَتَلْحَنُ أَحْيَا م
نًا وَأَحْلَى الْحَدِيثِ ما كانَ لَحْنَا
—————
وَمِنَ الغَرِيبِ أنَّ عَمْرَ بنَ بَحْرٍ الجاحِظَ لَمْ يَفْطَنْ لِلْفِطْنَةِ والتَّوْرِيَةِ، واعتبرَهُ خَطَأً في الإعْرابِ، وَقَالَ هُوَ جميلٌ في النِّساءِ.
وهُناكَ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ مَنِ اعْتَبَرَ "اللَّحْنَ" مِنَ الأضْدادِ: الخطَأِ والصَّوابِ. الأفضلُ ألّا نَلْتَفِتَ إلَيْهِ.
.jpg)
إرسال تعليق
الابتساماتانقر لرؤية رمز الإبتسامة
لإدراج التعبيرات يجب إضاف مسافة واحدة على الأقل