GuidePedia

0
فحيح الرغبة لديه يرفل بسيل الدم ، أجراس الشهوة للقتل تنشد إرضاء أحلامه البائسة ، خلف نوافذ الغيوم ومسرى التوهج تسيل منه رغبات مكبوتة تتوق للخلاص والتعجيل بدخول الجنة الموعودة ،دفنَ مشاعره وأحاسيسه بشريط من الحبوب المخدرة ،احتشدت عند باب رحمته المفقودة عناكب الغضب ،ألبسوه الحزام الناسف وشرحوا له الخطة بالتفصيل،دون ذكر مكان التنفيذ
،حاصرتهُ رؤى كثيرة ،أربكت أحلامه ،طأطأ رأسه لا يريد رؤية السماء ،تعرّى من ثوب الفضيلة ونزفت مروءته عند أصابع الديناميت المربوطة بحزامه ،تعرّت روحه من ذبذبات الخوف وغفى عقله طالباً السبات في تلك الساعات الحرجة ،ليس الأمر جديدا عليه فقد قام بعمليتين ناجحتين قبل هذه أرضى فيها أشياخه ورفاقه وأكرموه أيمّا كرم ،
تسلقت فوق نياط قلبه أفراحاً مؤجّلة ،ساعتان أمامه لتنفيذ العملية ،عانقت ذا كرته مشاهد يحلم بها دوماً لتحقيق أمنياته بالخلود،ينشدُ حسن العاقبة ورضا الرب ،لايرقى الشك الى قلبه قيد شعرة أنه مجاهد،وأن مكانه لونال أحدى الحسنيين في الجنة مع الصديقين والشهداء ، عند الفجر ودّع أهله وأحبابه ،عانق أمه ، وخرج متذرعا بسفرة جامعية مع أقرانه، طلبَ من أمه ان تدعو له بالفلاح ،تأبّطَ كتاب المصحف وزُوادة الطعام وخرج مستبشراً، طوال مسافة الطريق ينظر في وجوه الناس،كأنه يراهم لأول مرةأو ربما لن يرى تلك الوجوه ثانية فان حياته على كف عفريت ،كم من مرة يقرر فيها الرجوع عن التزاماته ووعوده تجاههم ولكنه يدرك أنه لن يفلت من قبضتهم وسيقتلونه فيما لو تخلى عنهم ، تتصارع في رأسه ، أسئلة كثيرة احتمالات الفوز بتحقيق الهدف أو الموت (شهيدا)، جل مايخشاه أن يقع في قبضة العسكر دون تحقيق مايصبو إليه، رنّ هاتفه الجوال وهو يسيرُ متجها صوب مقر المجموعة التي ينتمي إليها :
__نعم يا شيخي.. أنا جاهز .
__هل علمتَ أين سيكون محل التفجير ؟
__لا يا شيخنا الجليل لا أعلم لحد الآن
__ارجع الينا حالاً،لشرح الخطة ومكان الهدف .
عاد إليهم بعد جهد جهيد، مستوفز الأعصاب ،مشروخ الذاكرة، يرتل آي من الذكر الحكيم كي لايقع في قبضة السيطرات العسكرية، المنتصبة في الشوارع ،اقتضى الأمر من قبل رئيس المجموعة، أن يفجّرَ نفسه في منطقته السكنية حصرا ،رفض في بادئ الأمر وتوسل إليهم كثيرا بأن يكون موقع الإنفجار بعيدا عن منطقة سكناه .. قام إليه أزلام الشيخ ورمقوه بنظرة غضب ..تراجع على اثرها منكفئا ورضخ لتنفيذ الأمر، قال له الشيخ مواسيا وهو يربت على كتفه :
__هنيئاً لك الجنة ياولدي ..المقهى الرئيس هدفك في التفجير ؟؟اذهب على بركة الله .
يشعرَ أنه وقع في مأزق كبير لا يمكن الخلاص منه ،سارَ مرتبكا يتفادى نظرات الناس ،استبد به حزن كبير ،تمتم مع نفسه:
__هل عليّ أن أقتل أصحابي وأهلي؟ ..يا للعار الذي سيلحق بأهلي وعشيرتي ..دنا من أطراف مدينته وهو حيران لا يعرف ماذا سيحدث من مفاجآت ،
ألقى نظرة أخيرة على شوارعها وساحاتها وحدائقها،وكأنه يودعها للمرة الأخيرة ،وصلَ إلى مكان الهدف عند أذا ن المغرب، كان صوت المؤذن يمهد بكلماته لقرب الصلاة .
تحّسس الحزام من تحت بنطاله الفضفاض ،تأكدَ من ثباته على بطنه ، اصبعه قريب من زر التفجير ، خطواته المتعثرة تاهت في ظلمة الليل ،توسّد الدم المشتعل في أعماقه عباءة الظلام، وجمر المواقد النائمة تحت أسلاك الموت ينذر بالفاجعة،لا يدري لمَ تذكّر زميلته وحبيبته في الجامعة ، ذاب من فرط هواها في قصة حب لاتُنسى ،تخرجت من الجامعة وتزوجت رجلاً عجوزاً رغما عنها ،بعد المحاضرات الأخيرة التي تلقاها على يد المشايخ ،طوى عنها كشحاً وقرر أن لا يفكر بها، وأن الحور العين أفضل منها بكثير فيما لو نال االشهادة التي يحلم بها :
__كل تلك الطرقات كانت مُلكا لنا أنا وأنتِ ،من يوقف فيض انكساراتي؟ ،تركتنِي وحيد اً على قارعة الضيم ..تبّاً لكِ
أيتها الخائنة ..هزّ رأسه طاردا صورتها عن خياله، محاولاً التركيز على مهمته تلك ،إقتربَ من المقهى ألقى نظرة سريعة على الجالسين ،وجد المقهى تغصُّ بالرواد ،تعمّد أن لا يدقق في ملامحهم حتى لا تأخذه الرأفة بأحد منهم .. يتوسل العزيمة والاصرار لتنفيذ مهمته بنجاح، تذكر قوله في أول انضمام له معهم سائلاً الشيخ :
__شيخي ماذنبُ الأبرياء منهم ؟
__البريء سيدخل الجنة معك والمذنب نكون قد عجّلنا بعقوبته إلى النار
__شيخي الضحايا سيكونون من الفريقين ؟!
__لا بأس في هذا ..لكل أجل كتاب .
نظر إلى ساعة معصمه وتقدم واقفا أمام رواد المقهى ،صاحَ بصوت عال :
__الله أكبر ..انتبه له الجالسون وتحفزوا في أماكنهم غير مصدقين ما يرونه،صاح ثانية (الله أكبر )، ضغط الزرّ لم ينفجر الحزام الملغوم ..ضحك البعض ممن كانوا يعرفونه ،يظنون أنه يمزح ..جلبَ ناظراه أخوه الصغير يجلس معهم يلعب( الدومينو) ،زرّ الحزام العاصي لم يتحرك من ضغط أصابعه المرتعشة ، صعق وهو يرى أخاه الكبير ،وثب نحوه منقضّا عليه بكل قوته،جهد على مسكه من يديه، و إسقاطه الى الأرض، صاح به وهو يدفع بيديه بعيدا :
_أرجوك لا تفعل، أرجوك يا أخي لاتفعلها،بيد أن رواد المقهى ، هجموا عليه، وأمسكوه ،قيّدوا معصميه وراء ظهره ،أخرجوه إلى الشارع والدم ينز من أنحاء جسده ،الركلات تناوشته من كل اتجاه ،أقعى على الأرض خائر القوى، مطأطئ الرأس وسيل الدم يغمر فروة رأسه ووجهه، وقف أخوه الصغير باسطا كفيه على رأسه والدهشة والألم تصبغان وجهه ،قال له وهو يلهث :
_أيها المجنون كنتَ تنوي قتلنا، لا أصدق أبدا أن يكون أخي يوما أن يكون مجرما يقتل الأبرياء ..
الله يسوّد وجهك كما سوّدتَ وجهي ؟! بصقَ عليه ، تركه بين أيديهم، و انسحب يشهق باكيا .

إرسال تعليق

 
Top