كابوس
سلطت الشمس على الفتى حممها ، اغتسل بعرقه، وقف حائرا امام باب موصد للرحمة، ساوم قناعاته على كسر قاعدة تحكمه، هم يمضى فوق مخاوفه لمحطة الحافلات، يتخلص من عقدة انفجار اطار سيارة فى ظهيرة تشبه اليوم، حسم جدله مع ذاته ظهور جزيرة بين اتجاهى الطريق، تتوسطها شجرة كثيفة الأوراق، نافورة، يلطف زذاذها الجو، قصدها منتشيا، تخطي سورها، سبقه لفيئها رجل انتصف عقده الخامس، رقد على شقه الأيمن متوسدا نعله، استلقى بالناحية الأخرى من جذع الشجرة، طالع جريدة رمتها بحجره سيدة جلس بالحافلة فى مواجهتها ، تصدقت بها على عينه المتلصصة ، اعتدل الراقد، انتصب، تحرك بمقعدته نحوه، أطبق كفه على الصحيفة، تبادلا السلام، سأله عن بلده، سرد فى جمالها شعرا لعاشق، تنهد الرجل، رقق صوته، اطلق عصافير وجده، غردت، وصفت بهاء مالكة قلبه، كتم الفتى ضحكته من نزوة مقبل على الاكتهال، تلا على ذائقته جملا من رسائله لبريدها، فتح المتصابى حقيبة جلدية صغيرة ، أراه صورتها، أشار بأصبعه لتوقيعها ، تراجعت حدة الشمس، رست سفينة حديث الرجل فى ميناء مدينته، وزن الفتى الغض كلامه بمثاقيل المنطق، رفع درجة تقييمه لشخصه، وهبه سمعه، جال به فى التاريخ، أرخى الفتى جفنيه، تخيل احتشاد جند هولاكو على الضفة الاخرى للنهر، تأمل مياهه الرمادية، تلونت بأحبار الكتب، خطت خيول المغول فوق حروفها، دنت لحظة افتراقهما، لم يمنحنه الرجل فاصلا من الصمت ليستأذنه بالمغادرة، داهمتهما أزيز طائرة مرقت بين حواجبهما، حوصرت بدائرة من النيران، أستهدفتها زخات تلتها زخات من المدفعية، تقلب قليل الخبرة على العشب المبلل رعبا، زحف على أربع يلتمس النجاة، تحسس جراحا بجسده، قهقه الرجل، زمجر بثبات خبير: القذائف المضادة تنفجر فى الجو.
اندفع جسم برتقالى خلف طائرة توشك أن تسلب الولد الغر الروح، هتف المحلل: صاروخ.
دوى انفجار رهيب، لفظ بالشهادتين، هوت من السماء كتلة محترقة، أرتفعت ألسنة لهب، دخان ابيض خانق، ركض أفراد يحملون رشاشات تحت قدمى الرشيد ، فقد الفتى الوعى، صفعه صاحبه بكفه الثقيل، تنبه، افتقد الصحيفة، لوح له بها مبتعدا من أغرقته حكاياته ببئر الكوابيس .
طارق الصاوى خلف
إرسال تعليق