GuidePedia

0
النفس البشرية
( من كتاب فتاة من القوقاز )
-----------------

ألانسان في صراع مستمر مع نفسه ومع البيئة من حوله من أجل الشعور بالأمن – فالنفس البشريه مجبولة على مزيج من التناقضات كالخوف والرجاء والحب والكراهيه والايمان والشك والواقع والخيال والحقد والتسامح والصدق والكذب --- تتصارع داخل النفس البشريه لتقود الانسان في طريق الحياه - فهذا قابيل يقتل أخاه هابيل حسدا ليصبح من الخاسرين - ولما أحس بعجزه عن إيجاد الوسيلة للتخلص من جثته أصبح من النادمين -- هذه احدى تقلبات النفس البشريه ---
منذ أن ظهرت الفلسفة عند اليونانيين في أوائل القرن السادس قبل الميلاد والفلاسفة يبحثون عن حقيقة النفس البشريه ( حكمة الغرب – برتراند راسيل ) – فحين يخرج المرء من حدود العلم المطلق ويصل الى منطقة المجهول تتدخل الفلسفة لحل الالغاز وفي احيان كثيره لا تصل للحل المنشود – ومع هذا فان معرفة النفس البشريه تظل محدوده – يقول اليكس كاريل في كتابه – الانسان ذلك المجهول – كل واحد منا مكون من موكب من الاشباح تسير في وسطها حقيقة مجهوله --- أما الفيلسوف البريطاني برتراند رسل فيقول في كتابه حكمة الغرب – هناك موقفان ازاء المجهول – فالبعض يقول انه يعرف عن طريق الوحي ( الدين ) والبعض يبحث الامر بنفسه وهذا هو طريق العلم والفلسفه – ويقول المؤرخ البريطاني توينبي – ان حضارة الغرب مبنية على تراث علمي وفلسفي وان الاجوبه خارج حدود العلم هي حدس ديني لا يمكن التثبت منه –
وعلى هذا فان الحضاره الغربيه مبنيه على مزيج من العلوم والفلسفه بعيدا عن الايمان الديني الذي يولد الطأنينة في النفس - لذا فاننا نرى دولا مستقرة اقتصاديا وسياسيا ولكن نسبة الانتحار فيها عاليه كالدول الاسكندنافيه مثلا – كما ان ذلك يفسر انتحار العديد من المشاهير الغربيين ----
كيف هي النفس البشريه في نظر الفلاسفة والكتاب والشعراء -- تصورها أفلاطون فرسا ذات اجنحة محلقة في الفضاء غذاؤها الجما ل والحكمة والصلاح فلما نزلت الى الأرض فقدت جناحيها ودخلت جسم الانسان ---
أما أرسطو فيرى ان مطالب النفس اذا تعدت قدرة الجسم اهلكته
وهذا يتفق مع ما ذهب اليه المتنبي اذ يقول :
واذا كانت النفوس كبارا ------ تعبت في مرادها الاجسام
والمتنبي يدرك الجهل بطبيعة النفس البشرية اذ يقول :
لهوى النفوس سريرة لا تعلم ----- عرضا نظرت وخلت اني اسلم
أما ابن سينا فيرى النفس روحا عند الخالق ثم هبطت ودخلت جسم الانسان - :
هبطت اليك من المحل الأرفع ----- ورقاء ذات تعزز وتمنع
أما الشاعر أحمد شوقي فيراها أكثر غموضا كلما ازداد بحثا عنها :
ضمي اليك يا سعاد او ارفعي ----- هذي المحاسن ما خلقن لبرقع
ويتفق على صعوبة معرفة النفس البشريه الشاعر ايليا ابو ماضي فيقول :
فتشت جيب الفجر عنها والدجى ---- ومددت حتى للكواكب اصبعي
وعلمت حين العلم لا يجدي الفتى ---- أن التي ضيعتها كانت معي
نظرة الاسلام للنفس البشريه
لقد وردت النفس البشريه في القران الكريم في مواضع ودلالات مختلفه – على ان ما يهمنا كمسلمين هو ان نتعرف على أحوال النفس البشريه والتي يمكن تلخيصا في حالات ثلاث :- النفس المطمئنه - ( ياأايتها النفس المطمئنه ارجعي الى ربك راضية مرضيه فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) سورة الفجر )
هي النفس التي رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد (ص ) رسولا ونبيا – توكلت على الله وانقادت اليه دون تردد -- نفس عالية الهمه قوية الاراده ---
النفس اللوامه – ( لا اقسم بيوم القيامه ولا اقسم بالنفس اللوامه ) سورة القيامه - نفس تلوم صاحبها على التقصير في اعمال الخير وتحاسبه على ارتكاب المعاصي – مؤمن صاحبها ولكن فيه بعض الضعف الذي يجعله يحيد احيانا عن الدرب فتحثه على تعديل المسار وتصحيحه فيعود الى دائرة الخير -
النفس الامارة بالسوء – ( ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي ان ربي غفور رحيم ) – سورة يوسف
هي النفس التي تزين لصاحبها المعصيه وتبعده عن طريق الهدايه – نفس وضيعة ضعيفه أعاذنا الله منها -
يتضح مما سبق ان النفس البشريه كالحصان الجامح يركض بصاحبه نحو السعادة او الشقاء في الدنيا والاخره و لا بد من ترويضه وتعويده على السير في طرق الخير والا فالامر خطير – انه صراع مصيري مع النفس - يقول تعالى :- ( ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها – قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ) سورة الشمس
ان النفس السويه المتوازنه تؤدي بصاحبها الى الأمن والاستقرار النفسي عكس النفس القلقه – فالأمن والاطمئنان لا يلازمان الا المؤمن –
الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون - ( سورة الانعام )
فالمولود يولد على الفطرة السليمه ومسؤلية الوالدين تربيته وتنشأته على الايمان بالمثل والقيم العليا ليعيش مطمئن النفس هادئ البال راضيا مرضيا – يقول الامام البوصيري : -
والنفس كالطفل ان تهمله شب على حب الرضاع وان تفطمه ينفطم –
انه المصير الآجل في الآخره والعاجل في الدنيا
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها – أنت وليها ومولاها
بقلم
( نواف الحاج علي )

إرسال تعليق

 
Top