النظر من النّافذة
إطلالة نَقديّة في قصيدة
" سَتائر مُرتقة "
للشّاعرة المِصريّة الراحِلة / سونيا بَسْيوني
النّاقد الأدبي المِصري / عاطف عِزالدّين عَبدالفتّاح
هذه هي القراءة النّقدية الوحيدة التي يَكتبها ناقد أدبي عن الشّاعرة
المِصريّة الراحِلة / سونيا بسيوني ، ولعل عنوان مَقالي يَفْضح حَالَنا
المُرْزي ، فنحن نكتفي بكلمة " الله يرحمها " ، دون أن نَسْألَ ناقدا
مُتخصصا يكتب عنها دراسة نَقدية ، وكم كنتُ أتمنى أن تقرأ المُبْدعة
الراحلة / سونيا بسيوني كلماتي عنها ، وأنا أودّعها مِن خِلال دراستي
النّقدية عَنها ، ومن العجيب والمُضحك _ ونحن نَبكي لفقدها _ أن يتصل أصحاب
الكافيهات _ يَسمون أنفسهم صالون ثقافي _ ببعض الزّملاء للحديث عنها _ وهم
لم يكتبوا مَقالاً نَقديّاً واحداَ في حياتهم ولو في مجلة ميكي _ ويتركون
مَنْ لهم دِراسات نَقديّة وكتب نَقدية مُتَرجَمة إلى اللغة الإنجليزية منذ
أكثر من عشرين عاما !!
قصيدة " سَتائر مُرتقة " :
عنوان القصيدة :
المَقصود ب " السَتائر المُرتقة " هو ورقة التوت التي نَحْمي بها أنفسنا
من تلصص الآخرين ، والعنوان فاضح لنا ونحن نستخدم وسائل ليست مُجدية لحفظنا
من كشف الفضول ، ويّذَكرنا العنوان برواية " المعطف " لجوجول ، وفيها يفشل
" أكاكي أكاكيفيتش " في إصلاح مَعطفه !!
تَقول الشّاعِرة سونيا بسيوني في قصيدتها :
(ستائر مرتقة
كلانا ينظر من نافذة العمر
يترقب أمطار الأمل
ينتظر رعونه العواصف تمر
لتنزع الستائر المرتقة
وتقتلع أشجار المر
وتكشف عن شخوص تائهة
داخل نفس الممر )
إننا أمام قصيدة نثر تستخدم فيها الشّاعِرةُ الرّمزَ ، فهي تُعبّر عن حال
الإنسان المُعاصِر الذي يترقب أملا لتغيير دفة حياته إلى الأفضل مُتَخذاً
من نافذته مكانا لرؤية مُستقبله ، وقد صورت الشّاعِرةُ النافذة َبأنّها عمر
الإنسان ، أي أننا نَرى العالمَ المُحيط بنا من خِلالها ، كمثل الذي ينتظر
مَطرا وهو يقف في النّافِذَة ، مما يُذَكرنا بالمَسْرحيّة العَبثيّة " في
انتظار جودو " للكاتب المسرحي الايرلندي صمويل بيكيت الفائِز بنوبل عام
1969 وفيها يَنتظر " استراجون وفلاديمير " شخصا اسمه " جودو " لن يأتي
إليهما !
تسخر الشّاعرة من الذين ينتظرون الأمل ولا يتحركون من مكانهم ،
فهؤلاء تراهم المُبدعة كأنّهم شخصيات في مَسْرح العبث ، فهم كالذين
ينتظرون عاصفة صغيرة ستقلع القلاع وتبيد ستائرهم المُرَتقة ، ولكن في حقيقة
الأمر ستكشف أية عاصفة زيف هؤلاء وبلادتهم وقد وصفتهم الشّاعِرة بالتائهين
وتختتم الشّاعِرة قصيدتها :
( إليك يكون القلب إهدائي
يا جدار أيامى
وشط الأماني
و مرفأ حنيني
لا تفتح للفراق بابا
لاتكن للعشق سرابا
بل افتح ممرا لقلبك
واجعل حراسه الأهداب
واكتب له كلمات الوجد
تفوق السحابا )
تستخدم الشّاعِرةُ ضميرَ المخاطب " أنت " ، و تهدي قلبَها إلى مَحْبوبها ،
فهو بمثابة جدار أيامها أي أن المَحْبوب هو السند في رحلة الحَياة ، كما
أنّه هو شط الأماني والمَرفأ الحنون الذي تنتهي عنده رحلتها ، لذا فهي
تُريد التّواصل مع المحبوب طالبة منه ألا يَفتح بابا للفراق بينهما بل يكون
_ البابَ _ مَمَرّاً لقلبه.
نحن نُهيبُ بالنقاد المتخصصين الاهتمام
بالشّاعِرة سونيا بسيوني ، التي لم تنل الحفاوة كمُبْدعة في حياتها ، ونحن
سننتظر ( في النّافذة ) الأملَ ، لعلَ ناقدا يتناول شِعرها بعد وفاتها !!!
النّاقد الأدبي المِصري / عاطف عِزالدّين عَبدالفتّاح
إرسال تعليق