GuidePedia

0

كلمتي عن الشِّعر بمناسبة احتفال (رابطة الكتاب الشباب بالريف) باليوم العالمي للشعر
.

مازالَ الشعرُ أرْقى الفنون الأدبية، ومازال الشعراءُ يرسلون قصائدَهم، ويحاولون أن تَسْحَرَ أبياتُهم الناسَ، ويأْوون إليها، وهم يُمنُّونَ أنْفُسَهم أنْ يجدوا فيها أشواقَهم وأحلامَهم، ويحضُنوا فيها العرائسَ والآمالَ.
فالشعراءُ خيرُ من يترجمُ عن الناس عواطفهم وأشجانهم، ويصورون أجملَ تصويرٍ الحب والفرح والحزن واللقاء والفراق والثورةَ أيضاً.
ولعلَّ الشعرَ يأتي في المنزلة التالية بعد الكتب السماوية، من حيث إعجازُ الكلمة وسحْرُ البيانِ وقوةُ المعاني، لذا لمْ يكنْ غريباً أنْ يقولَ بعضُ رجال قريش، حين سمعوا النبيَّ "محمداً"، صلى الله عليه وسلم، يتلو عليهم كلامَ الله، إنه شاعرٌ... 
وقبل نبيِّنا "محمدٍ" وضعَ النبيُّ "سليمان" سِفْراً من أعذبِ أسفار العهد القديم، هو مجموعة أناشيد، قال عنه "توفيق الحكيم" مُرَجِّحاً إنه «أجملُ صوْتٍ خرجَ من قلب الإنسان لتحيَّةِ الحُبِّ والربيع منذ أقدم الأزمان.
وسَحَرَ هذا النشيدُ أكثرَ الشعراء والأدباء وأهلِ الفنون على توالي العصور».
قال "جبران خليل جبران": «الشعراءُ هم الذين يصنعون اللغةَ»، وبهذه الصَّنْعَةِ يتميزون!
إن التاريخ مازال يحفظُ لنا أسماء شعراء غنُّوا للحب والجمال.. والطبيعة والإنسان.. والروح والجسد.. والظلم والثورة.. والحكمة والضلال...
"المتنبي".. "المعري".. "الشابي".. "نيرودا".. "لوركا".. "رسول حمزاتوف".. و"طاغور".. و"محمد إقبال"... وغيرهم كثيرون...
ومازال "نزار قباني"، و"محمود درويش"، و"أحمد شوقي"، و"أحمد مطر"... يرددُ الناس أشعارَهم، ويحاول البعضُ أن يقلدوهم، وبخاصة حين نسمع بعض قصائدهم بأصوات مطربين ومطربات، فمن لم يقرأها في دواوين يستمع إليها في أغنيات، ومنْ لم يحفظ المُطوَّلات يعرف بعضَ المقْطوعات.
الشِّعْرُ يسْمو بصاحبه، ولو كان إنساناً خليعاً، ويرفعُه وإنْ كان وضيعاً، والناسُ يضعُونَ الشاعرَ فوق وإن كان في طبقته الاجتماعية تحتَ!
تاريخُ الآداب يذكر لنا نماذج من شعراء عاشوا عيشة الملوك بفضل شعرهم، وعن شعراء لقوا حتفهم بسبب أبياتٍ أرسلوها، لأنها كانت أشدَّ وَقْعاً من السيف والبندقية، ففتكت بأصحابها جسداً، لكن صنعت لهم مجْداً وذكرى، وصاروا خالدين، بينما قاتلوهم غدَوا نسْياً منسيّاً.
والشعرُ غناءٌ، وهو أول الكلام، وأول الإبداع، وأول فن من فنون الأدب، ألا تلاحظون أنَّ الأمَّ أول ما توشوش به في أذن وليدها أغنية؟
وأنَّ أول ما يحفظُ أطفالُنا أناشيد، والأناشيدُ هي شعْرٌ؟
وأن العاشقين، والثائرين، أكثر ما يلتجئون إليه للتعبير عن عشقهم وثورتهم الشعرُ؟
وحتى كتاب النثْرِ والسرد القصصي والروائي الكبار اعترفوا أنَّ أولَ ما بدأوا به الكتابةَ الشعرُ؟
مات "الشابي"، ولم تمتْ قصيدتُه (إذا الشعبُ يوماً أراد الحياةَ).
مات "درويش"، ولم تمتْ قصيدتُه (أحنُّ إلى خبز أُمِّي).
مات "نزار قباني"، ولم تمتْ قصيدتُه (علَّمني حبُّك أن أحزن)...
قضى شعراءُ نحْبَهم، ولم ينقضِ عجبُنا وإعجابُنا بقصائد لهم، نظموها في زمنهم، وسارت بها الأزمانُ منْ بعدِهم؛ "أمل دنقل" في رائعته (لا تصالح).. "بدر شاكر السياب" في فريدته (أنشودة المطر).. "صلاح عبد الصبور" في تحفتِه (الناسُ في بلادي)... وغيرهم من الشعراء الذين هاموا في ودْيانٍ تراقصتْ فيها مياهٌ من فضةٍ وأسماكٌ ذهبيَّةٌ!
سيولدُ شعراء، ويموت شعراء، وتبقى قصائدُ في الذاكرة والوجدان، وفي قلوب العاشقين، وأحلام الثائرين.
ولوْلا الشعر لما عرفنا كثيراً من أسماء الملوك والأبطال والفرسان والعاشقين وشهداء الغرام والكفاح والنضال.. وأسماء قرى ومدن وشوارع وحدائق وساحات.
والدنيا مهما تطورت، ومهما اغترت بالتكنولوجيا، وانقادت وراء طغيان المادة، وقوة المال والسلاح، وضعف الإنسانُ أمام مغريات الصناعة والتقدم، فلن يبخسَ للشعر حقَّهُ، ولنْ يستغْنِيَ عن الشعراء، ولن يجدَ بديلاً لهم عن التعبير عن وجوده في الدنيا.
والشعرُ فتَنَ الملوك كما فتن الرعاع..
وفتن الثوار كما فتن الطغاة..
وفتن الأغنياء كما فتن الفقراء..
وفتن الرجال والنساء، والمتعلمين والجهلاء... 
وربما لم يطلع شخْصٌ على قصة أو رواية أو منشور سياسي أو بيان جماهيري أو خطبة تاريخية أو موعظة دينية، لكنَّ أذُنَه التقطت بيتا شعرِيّاً أو قصيدةً مُغنَّاةً، أو أنَّ لسانَه ردَّد بيتاً عاطفياً أو ثوريّاً، أو نَظْماً يختزن حكمةً أو عِبْرَةً، ولو كانت من العصر الجاهليِّ! 
فهل وجدْتُم سحْراً أقوى من سحر الشعر؟.. 
وهل وجدتم أثراً لفنٍّ من الفنون أكبر من فنِّ الشعر؟.. 
العالمُ كلُّه يحتفل بيوم الشعر، كما تحتفلون أنتم به اليومَ.
ومازال الشعْرُ يدافعُ عن نفسه على الرغم من مزاحمة فنون أخرى، وسيطرتها في حقول الإبداع والتعبير، وهو ينتصرُ، ينتصرُ بالشعراء الموْهوبين، العاشقين للحق والخير والجمال، والثائرين على الباطل والشر والقبح.
هنيئاً لكم هذا اللقاء...
وهنيئا لكم الشعر الذي يربطكم بالإنسان وأحلامه وأشواقه...
ختاماً لكم منِّي أبياتٌ شعريةٌ من نظْمِ عاشقٍ كبير للشعر العربي اسمه "عارف حجاوي"، وأنصحكم بقراءة عمليْهِ: (أول الشعر) و(تجدد الشعر)، وهما كتابان جمَعَ فيهما زبدة الشعر العربي:

أتيْتُ بقاموسي وألْفِيَّتي إلى الـ *** ـقصيدة أبْغيها، وأخْشى تعاليها
فألْفَيْتُها تَهْوى البريءَ ولوْ به *** جُنونٌ، بل المجْنون أقْصى أمانيها
فيا شِعْرُ، يا ولاَّدُ، يا خلْقُ، فُتَّني *** لأنَّ علومي شوَّهتْني تشْويها
أُعاقرُ نثْراً نارُ قلْبي به خبتْ *** ولكنَّ شوْقي للقصيدة يُذْكيها
وأقطفُ شِعْرَ الآخرين فواكهاً *** مُحرَّمةً، لكن لغيري أجْنيها

الخضر الورياشي ـ المغرب


إرسال تعليق

 
Top