GuidePedia

0

تغريدة الشـــــــــــعر العربي 
بقلم / السعيد عبد العاطي مبارك – الفايدي 
---------------------------------------- 
((( مذكرات رجل مجهول ----- !! ))) 
الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي 1926 - 1999 م
(قمر شيراز)
شعري أورثني: هذا الفقر القاتل:
هذا الحبَّ اللاهب: السيف القاتل
سيحزُّ بهِ عنقي يوماً من أجل الفقراء. 
=== 
قولي للحبِّ نعم أو قولي لا
قولي أرحل. فسأرحل في الحال
قولي أهواك
أو قولي لا أهواك
------------ 
 من بلاد الرافدين نتوقف مع شاعر رائد الحداثة شكلا و مضمونا عاشق للوطن مسكون بتجليات الصوفي المعذب بجماليات النص حيث يوظف الرمز و الأسطورة في السرد التاريخي مع خيال فني يستوعب مدي تجربته مع الحياة عبر المنافي و الغربة يحكي مشوار الوجع و الحزن لكنه يحلم بفجر يظل تهويماته التي تعانق البيئة من وحي الارادة و الايمان بالقيم الموروثة التي تنخرط من ابداع الانسان صاحب الحس و المشاعر الصادقة المؤثرة في النفوس أنه " عبد الوهاب البياتي " نهر العراق المتدفق و المحمل من كل زوايا الفنون الجميلة برائحة نخيل العراق الشامخ --- 
 و لم لا فهو الذي شكل روح ووجدان القصيدة المعاصرة في اشكاله المنخرطة في ثوب الحداثة مع بدر شاكر السياب و نازك الملائكة و فدوي طوقان و صلاح عبد الصبور و ابن باكثير و غيرهم كثيرون ---
غادرنا عشية الألف الثالثة
 و منذ نعومة أظفار الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي الذي أمضي ثلاثة وسبعين عامًا من عمره الجميل في صراع من اجل خلود الحب و الذات و الوطن في كبرياء و حرية برغم عذابات المنافي. مازال الباحث الأول عن الحقيقة الغائبة هكذا ---- !! 
فقد ولد شاعرنا العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي في ريف عراقي عام 19266، ثم انتقل وهو صبي إلى بغداد حيث عاش طفولته في حيّ باب الشيخ، وهي منطقة شعبيّة فقيرة تلتئمُ حول ضريح الشيخ عبد القادر الجَيلاني حيث الأجواء الدينية وفرق المتصوفة.
ثم تخرج بشهادة اللغة العربية وآدابها 1950م، واشتغل مدرساً 1950-19533م، ومارس الصحافة 1954م مع مجلة "الثقافة الجديدة" لكنها أغلقت، وفصل عن وظيفته، واعتقل بسبب مواقفه الوطنية. فسافر إلى سورية ثم بيروت ثم القاهرة. وزار الاتحاد السوفييتي 1959-1964م، واشتغل أستاذاً في جامعة موسكو، ثم باحثاً علمياً في معهد شعوب آسيا، وزار معظم أقطار أوروبا الشرقية والغربية. وفي سنة 1963 أسقطت عنه الجنسية العراقية، ورجع إلى القاهرة 1964م وأقام فيها إلى عام 1970.
و بعد رحلة عطاء توفي سنة 19999.خارج الوطن بسوريا الحبيبة ودفن بجوار ابن عربي كما كانت أمنيته فتحقق حلمه برغم ما نال منه كل شيء يبقي شعره ناطقا بعبقريته ---
 يقول البياتي في قصيدة بعنوان ( مسافر بلا حقائب ) حيث يقول في مقطوعة منها توضح مدي حزنه مع المنافي يحمل ذاكرة الوطن و ايام الصبا دون حقائب :
من لا مكان
لا وجه، لا تاريخ لي، من لا مكان
تحت السماء، وفي عويل الريح أسمعها تناديني:
"تعال" !
لا وجه، لا تاريخ.. أسمعها تناديني: "تعال"!
عبر التلال
مستنقع التاريخ يعبره رجال
عدد الرمال
والأرض مازالت ، وما زال الرجال
يلهو بهم عبث الظلال
مستنقع التاريخ والأرض الحزينة والرجال
عبر التلال
مع شـــاعريته : 
-------------- 
 و البياتي يعد شاعر صوفي عاشقا لابن عربي و الحلاج يوظف شعره في رمزية تكشف لنا مدي تجلياته التي يطرز حياته المعاصرة بروحهما عبر المكان في رحلة المنافي و غربة الذات فيهيم طربا حول الحياة ---
 وعبد الوهاب البياتي شاعرٌ مؤسسٌ في حركة شعرنا المعاصر أسهم، منذُ بواكير انطلاقةِ ما يعرف بـ (الحداثة الشعرية) اليوم، في فتح النصّ الشعري على آفاق أوسع مدًى وأكثر احتواءً لمضامين الفكر والتراث والأسطورة. أصدر عام 1950 ديوانه الأول (ملائكة وشياطين). تَبِعَهُ عام 1954 بـ (أباريقَ مهشمة) الذي وسم حضوره الشعري وفرض اسمه كشاعر متميز، بين الروّاد الأوائل الذين خرجوا على (الشعر العمودي) وكتبوا ما عُرف فيما بعد بـ (الشعر الحر). وترك عبد الوهاب البياتي في حاضرتنا الشعرية ألوان منافيه ورموز التُراث والأساطير فاتحًا القصيدة العربية الحديثة على ألوان وأصقاع لم تَعرفها من قبل.
تَنقَّل بين موسكو حيث أقام بين عامي 1959 و 19644، وإسبانيا حيث عمل في المركز الثقافي العراقي في مدريد في سنوات الثمانينات، مُرورًا بالقاهرة والرباط وعمّان والعديد من العواصم العربية، عاد خلالها فترة وجيزة إلى بغداد، ثم استقرَّ في الأشهر الأخيرة من حياته في دمشق، ليموت فيها ويُدفن حسب وصيته في ضريح الشيخ مُحيي الدين بن عربي، وذلك في 3 آب / أغسطس 1999.
 يمتاز شعر عبد الوهاب البياتي بنزوعه نحو عالمية معاصرة مُتأنية من حياته الموزعة في عواصم مُتعددة وعلاقاته الواسعة مع أدباء وشعراء العالم الكبار، مثل الشاعر التركي ناظم حكمت والشاعر الإسباني رفائيل ألبرتي والشاعر الروسي يفتشنكو، وكذلك بامتزاجه مع التُراث والرموز الصوفية والأسطورية التي شكلت إحدى الملامح الأهمّ في حضوره الشعري وحداثته.
صدر للشاعر عبد الوهاب البياتي العديد من الدواوين : 
------------------------------------------------ 
أولها (ملائكة وشياطين) (1950)، (أباريق مهشمة) (19544)، (عشرون قصيدة من برلين) (1959)، (كلمات لا تموت) (1960)، (النار والكلمات) (1964)، (سفر الفقر والثورة) (1965)، (الذي يأتي ولا يأتي) (1966)، (عيون الكلاب الميتة) (1969)، (الموت في الحياة) (1986)، (الكتابة على الطين) (1970)، (يوميات سياسي محترف) (1970)، (قصائد حب على بوابات العالم السبع) (1971)، (كتاب البحر) (1972)، (سيرة ذاتية لسارق النار) (1974)، (قمر شيراز) (1975)، (مملكة السنبلة) (1979)، (بستان عائشة)(1989)، (كتاب المراثي) (1995)، (البحر البعيد أسمعه يتنهد) (1998)، ثم أصدر آخر دواوينه عن دار المدى في دمشق بعنوان (نصوص شرقية). وقد تُرجم شعر البياتي إلى لغات عديدة منها الإسبانية والروسية والفرنسية والإنكليزية.
 أوصى البياتي قبل وفاته باختيار ديوانه (قمر شيراز) ليكون العمل الممثل له في إصدارات (كتاب في جريدة)، وكان الشاعر -حتى وفاته- عضوًا في هيئته الاستشارية.
 مع رائعته الخالدة بعنوان " مذكرات رجل مجهول " التي تصور لنا حالة الريف و الواقع اليومي و تنقل العراقي الي أوجاع المدينة حيث الظلام و القتال و البؤس الذي يعتري مدينة السلام و تكالب الغزاة علي أحلام الناس صور تنطق بمشاعر تعكس الرؤية الصادقة حيث تجسد لنا مظاهر الحياة فيقول ابن الرافدين المهاجر عبد الوهاب البياتي :
8 نيسان
أنا عامل , ادعى سعيد
من الجنوب
أبواي ماتا في طريقهما إلى قبر الحسين
و كان عمري آنذاك
سنتين - ما أقسى الحياة
و أبشع الليل الطويل
و الموت في الريف العراقي الحزين -
و كان جدي لا يزال
كالكوكب الخاوي , على قيد الحياة
13مارس
أعرفت معنى أن تكون ؟
متسولا , عريان , في أرجاء عالمنا الكبير !
و ذقت طعم اليتم مثلى و ضياع ؟
أعرف معنى أن تكون ؟
لصاً تطارده الظلام
و الخوف عبر مقابر الريف الحزين !
16 حزيران
إني لأخجل أن أعري , هكذا بؤسي , أمام الآخرين
و أن أرى متسولاً , عريان , في أرجاء عالمنا الكبير
و أن أمرغ ذكرياتي في التراب
فنحن , يا مولاي , قوم طيبون
بسطاء , يمنعنا الحياء من الوقوف
أبداً على أبواب قصرك , جائعين
13 تموز
و مات جدي , كالغراب , مع الخريف
كالجرذ , كالصرصور , مات مع الخريف
فدفنته في ظل نخلتنا و باركت الحياة
فنحن , يا مولاي , نحن الكادحين
ننسى , كما تنسى , بأنك دودة في حقل عالمنا الكبير
25 آب
و هجرت قريتنا , و أمي الأرض تحلم بالربيع
و مدافع الحرب الأخير , لم تزل تعوي , هناك
ككلاب صيدك لم تزل مولاي تعوي في الصقيع
و كان عمري آنذاك
عشرين عام
و مدافع الحرب الأخير لم تزل .. عشرين عام
مولاي ... ! تعوي في الصقيع
29 أيلول
ما زلت خادمك المطيع
لكنه علم الكتاب
و ما يثير برأس أمثالي من الهوس الغريب
و يقظة العملاق في جسدي الكئيب
و شعوري الطاغي , بأني في يديك ذبابة تدمى
و أنك عنكبوت
و عصرنا الذهبي , عصر الكادحين
عصر المصانع و الحقول
ما زال يغريني , بقتلك أيها القرد الخليع
30 تشرين 1
مولاي ! أمثالي من البسطاء لا يتمردون
لأنهم لا يعلمون
بأن أمثالي لهم حق الحياة
و حق تقرير المصير
و إن في أطراف كوكبنا الحزين
تسيل أنهار الدماء
من اجل إنسان , الغد الآتي , السعيد
من اجلنا , مولاي انهار الدماء
تسيل من أطراف كوكبنا الحزين
19 تشرين 2
الليل في بغداد , و الدم و الظلال
أبدا , تطاردني كأني لا أزال
ظمآن عبر مقابر الريف البعيد و كان إنسان الغد الآتي السعيد
إنسان عالمنا الجديد
مولاي ! يولد في المصانع و الحقول
 هذه كانت أهم ملامح قد تميزت بها شخصية " عبد الوهاب البياتي " الرائعة المعجونة بثورة الشعر الثائرة المتمردة ، فكان العاشق للوطن و الذات و الجمال و الموروث الثقافي في عباءة الصوفية التي تجرع مدخلها و هو صبي في بغداد عند حارة الجيلاني فصبغت وصقلت موهبته و اتجاهاته الشعرية مع التجديد الحديث لبناء القصيدة الفنية التي يحملها معه عبر المنافي حتي سكتت روحه و فاضت بجوار محي الدين ابن عربي تحت ظلال يا سمين سوريا و تبقي تجربته الرائدة في الوطن العربي الكبير ننهل منها الجميع دائما 
 مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله

إرسال تعليق

 
Top