كان الطقس شديد البرودة وثمة حمار ربط على جانب الكوخ الأيسر من بعيد .وهناك تنور من الطين بقرب الحمار المربوط .
خرجت تلك المرأة وهي في عقدها الرابع وكانت ترتدي مأزرا اسود وهي تحمل آنية العجين وقد أوشكت الشمس على المغيب .اتجهت نحو التنور وعندما وصلت شمرت عن ساعديها وبدأ تخبز لتطعم ابنها الذي يبلغ من العمر سبعة أعوام وشقيقته التي تصغره بثلاثة أعوام . كانا ينتظرانها في الكوخ فهما يعيشان مع والدتهما أما والدهما فقد هجر والدتهما منذ زمن بعيد فقد تزوج من إمرأة حضرية وترك هذه المرأة القروية تواجه الحياة وهي صابرة محتسبة.
كان هناك إلى جانب الكوخ كوخ آخر لا يقل شأنا منه حيث تسكن فيه شقيقة تلك المرأة وهي تعيش مع ولدها الصغير وقد مات زوجها فرافقت شقيقتها وبنت لها كوخا مجاور لكوخ شقيقتها .
أنهت تلك المرأة خبزها وعادت إلى الكوخ وقد سلمت الشمس إلى المغيب .
ناولت لولديها الصغيرين كل واحد منهما رغيف وفردات تمر وقد جلست معهما للتتناول عشاءها هي أيضا .
أما شقيقتها فقد نظرت إلى عجينها وقد سأل من الآنية فقد كانت خاملة ليست كشقيقتها التي تصارع الصعاب وتصنع من اللاشيء شيء غريب عجيب بعزمها وشطارتها.
تمتمت تلك المرأة وهي تنظر إلى العجين وإلى صغيرها وهي تقول له :
الطقس بارد ربما ستمطر لا أظن أنني ساتمكن من خبز العجين .
.....صمتت ثم اردفت قائلة : سأطعمكما تمرا ولبنا لسنا بحاجة إلى الرغيف .
نظر اليها الطفل بعناد وقال :لا ..لا أريد رغيف .لقد رأيت ابن خالتي يأكل رغيف حار هو واخته.
تمتمت والدته وزمجرت وهمت بالوقوف وقد تناولت آنية العجين وخرجت من الكوخ كي تخبز .
عندما خرجت وجدت الظلام قد هجم والهواء يعصف في القصب والبردي وكأنه يريد أن يقتلع سقف الكوخ .
انتابتها رعشة خوف ولكنها تجلدت قليلا وقد وصلت إلى التنور وهو مازال حاميا مما جعلها تفرح وهذه عادتها دائما فهي تنتظر شقيقتها توقد التنور ومن ثم تخبز وراءها فهي إمرأة اتكالية تعتمد على شقيقتها في كل شيء .
المهم بدأت تخبز وما أن وصلت إلى عاشر رغيف واذا بصوت يصدر بالقرب من الحمار المربوط فارتعدت من الخوف مما جعلها الخوف تترك رغيفين في التنور ولم تخرجهما وقد هرعت إلى كوخ شقيقتها لتخبرها بأنها سمعت صوت جني تحت الحمار .
ضحكت شقيقتها وقالت لها :صدقيني هذا صوت حماري انا اعرفه وما هو بجان.
نظرت إليها وقالت لها :والله إذا لحمارك جان وماهو بحمار.
قالت هذه الكلمات وقد أمسكت بجدائل شقيقتها ثم خرجت غضبانة أما شقيقتها ظلت تضحك ولم تابه بفعلها فهي معتادة عليها وعلى تصرفاتها المتهورة .
دخلت الكوخ تلك المرأة السمراء وهي غضبانة وخائفة ومما زادها خوفا عصف الرياح والظلام الحالك .
وضعت آنية الرغيف المخبوز نصف ونصف ورمتها على الأرض بعصبية وهي تقول :
اللعنة على من يخبز ومن يأكل الخبز .
اشتدت قوة الرياح فصرخت المراة كلما صرخت الرياح وهي تقول لولدها الصغير :عذاب .عذاب سد الباب
إرسال تعليق