GuidePedia

0

استيقظت وردة , صباح هذا اليوم , وقد استغرقت لأول مرة في نوم عميق بلا أحلام , أو كوابيس .. حتى أنها قامت بسرعة من سريرها ، لتكتشف أن حامد قد غادر المنزل ، وقد أخذ فأسه وحاجياته الضرورية لأعماله بالحقل .. فتبسمت ابتسامة خفيفة ، وأحست بأنها في ذروة السعادة وكأنها أبدية ..
_ صباح الخير يابا ..
_ صباح الخير يا وردة .. مرضيتش أصحيكي .. كنتي نايمة ع الآخر ..
_ استريحت يابا ..
_ ربنا يريح قلبك يا بنتي ..
فتحت باب المنزل لتلقي نظرة على الخارج .. فأحست بتحركات غير طبيعية بالشارع ، وشاهدت جارتها زكية تقف أمام منزلها .. فسألتها :
_ صباح الخير يام سعيد .. فيه إيه ياختي ؟
_ صباح الخير يا وردة .. سعيد .. سافر .. إدعيله يا وردة ..
_ ربنا يحميه .. هوه وزمايله .. ويرجعهم بالسلامة ..
_ والله يا وردة قلبي مقبوض .. مش عارفة ليه ..
_ متقوليش كده يام سعيد .. إدعيله ياختي ..
_ ربنا معاهم كلهم .. ويسلمهم من كل شر .. صحيح .. ألف مبروك يا وردة .. عقبال التمام يا عروسة .. ياللا شدوا حيلكوا بقه ..
_ الله يبارك فيكي يام سعيد .. عقبال سعيد واخواته ..
أغلقت بابها ، واتجهت ناحية غرفة أبيها ، وجلست بجانبه ، وقد شعرت بأنها في حاجة ماسة إلى الحديث معه .. فأحس بها بجانبه فمد يده لها .. فأمسكت بها لتضمها بيديها وتقبلها وتضعها على صدرها .. ليحتضنها والدها بحنان ويقبلها ويمسح على شعرها ..
_ وردة .. حامد عايز يتجوز بسرعة .. إيه رأيك ..؟!
_ اللي تشوفه يابا ..
_ عايز يوم الخميس الجاي ..
_ على طول كده ..
_ أيوة يابنتي .. أحسن .. مش عايزين حد يلسن علينا !!
_ اللي تشوفه يابا ..
تواردت أنباء مفجعة مساء هذا اليوم .. عن غرق السفينة التي تقل الشباب .. وقبل تحركها في المياه الإقليمية على ساحل رشيد .. وأصبح مصير شباب القرية غامضا حتى الصباح .. وكان مجموعة من الرجال بالقرية قد اتجهوا في هذه الليلة الى مدينة رشيد للإطمئنان عن أبنائهم .. وتتابعت الأنباء ليعرفها أهل القرية تباعا .. وعدم القدرة على إنقاذ العديد من الضحايا .. وغرق أعداد كبيرة في السفينة ..
اتضحت الأخبار في نهار اليوم التالي بعد حضور جثث الضحايا من أبناء القرية .. ولم يعرف أحد مصير سعيد ..
وأمام ذهول الجميع .. وفي لحظات الحزن الذي حل على هذه القرية تم دفن هذه الجثث وأقيم العزاء مساء نفس اليوم .. ووسط هذه المشاعر والأحاسيس ولوعة الأهالي وذوي هؤلاء الشباب .. حضر سعيد سليما .. وفي حالة يرثى لها .. فاختلط الحزن بالفرح .. والنواح بالبسمات .. وانقلب بيت سعيد بمن يهنئ ويعزي ويضحك وينتحب .. وأسئلة اليه من الجميع لا يسمعون لها إجابة .. وقد التزم الصمت إلا من القليل .. الذي لا يشفي غليل الأهالي وذوي الضحايا ..
وأمام هذه المشاعر المتناقضة للجميع من فرح بسلامته والحزن على الباقين .. كانت وردة وحامد .. يجوبون منازل الجميع لمساعدتهم وتهدئتهم من بيت الى بيت حتى نهاية فترة العزاء ، دون كلل أو تعب .. وقد نسيا تماما أفراحهما المنتظرة واستعدادهما للزواج .. وحتى إشعار آخر ..
لم تشف غليل السائلين والمتسائلين .. إجابات سعيد .. ولم يتحدث بإسهاب عما حدث لهم ، وآثر الصمت على الكلام .. ولم يعرف الجميع ما حدث بالضبط أو أي تفاصيل .. وقد اعتراه اليأس والإعياء الشديد .. ومن ثم التزم في منزله ، ولم يخرج منه لأي سبب من الأسباب .. !!
أصابت الحيرة كل من وردة وحامد طوال فترة طالت لأكثر من أربعين يوما .. ولم يتجرآ عن الحديث فيما يمكن عمله .. وسط هذه الأجواء الحزينة ..
ولكنهما عزما أمرا وجداه ضروريا ..
( وهناك بقية .. إن كان في العمر بقية )

إرسال تعليق

 
Top