(# أكـون أو لا أكـون ) : تُجلَبُ له الضرائبُ والمُكوسُ من كلِّ حَدَبٍ وصوب، يأبى إلاَّ أن يَصدعَ بشهادةِ التَّوحيدِ فوق أستارِ الكعبةِ متحدياً بها مسامعَ صناديد الضلال، يُضربُ فيعودُ ويُضربُ فيعودُ ويُغشى عليهِ ويُغشى عليه ( ولا يُنجيهِ إلاَّ كلماتٍ قالها الصدِّيقُ بحقه : يا معشرَ قُريش ألا تخافون من بطشِ قومه بقوافِلِكـم فهذا سيِّدُ غفار )، يُعاتِبَهُ الرسولُ عليهِ السَّلام : ألم أقل لك أن تكتمَ إيمانك وتعودَ بأدراجكَ إلى قومك، إنَّهُ أبو ذرٍ الغفاري الذي قالَ لهُ عليه السلام لما طلبَ منه أن يُوَليه " إنَّها أمانه وخزي وتدامه وإنّك ضعيف " ، نعم رفضَ الذي ( تُصلي عليهِ ) أن يُولِّه شيئاً لإنَّ شدَّةَ حَزمهِ كانت نُقطَةَ ضعفهِ ومَوردَ مقتله ( ومن يكُ راحماً ... فَليَقسوا أحياناً على من يرحمِ ) فالتعاملُ معَ الاَخرين ميزانُهُ شَعرَةُ معاوية ( لو أنَّ بيني وبينَ النَّاسِ شعرةً لوددتُ أن لا تنقطعَ، إن هُم رخَو شدَدتُ وإن هم شدّو رخَوت )، فالشدَّةُ تُفسدُ الأمورَ كما الرَّخاوة، حتَّى يونس بن متَّى رسولُ اللهِ إلى قومهِ لمَّا استعجلَ عليهمُ الهدايةَ فهجرهم والتجأ إلى البحرِ فأغرقَهُ ربُّه وما أنجاه إلاَّ كثرةَ ما كان يستغفر ( فلمَّا عادَ إلى قومه وجدَ مشيئة الله قادتهم للهداية كُلُّهم اجمعون )، وأخيراً وليس آخراً ما كان عمرو بن العاصِ قد طلبَ من رَعيِّته أن يسجدوا له ولِوَلده، إنَّما هي كثرتُ الإستخفاف بعقولهم والإستهانة بحقوقهم التي حَملَت ابنه على التطاول على آدمية من عُيِّن أباه لرعاية أمورهم ( متى استعبدتم النَّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )، " حلَّ بنا أن نُجدِّدَ الصلاة على النَّبي " ، قيلَ للحقِّ يوماً أينَ كُنتَ ؟ قالَ كُنتُ أجتثُّ الباطلَ من جذوره، فما كانَ له يوماً أن يتخلَفَ وراء الباطل، ولا أن يتلحَّفَ بِعذرِ تركِ السَّاحة لغيرهِ حتَّى يُقرِّروا هم أن يُخلوا الساحةَ لهُ ( وهل سَيُخلوها يوما ! )، دَوماً كُنتُ أعجبُ ممّن يتَّخذون من الإنتقاد لسانَ حالٍ لهم، ولم يُجربوا قط أن يَحلِّوا بمقصورةِ القيادة، يَعيبون الوسائل يَنتقدون الطرائق يُشككون بالنتائج حتَّى لو كانت صائبةً قالوا عنها ( ضربةَ حظ )، فما تولَّى الأقلَّ كفاءةً إلاَّ لمَّا أخلى الكُفُؤُ له السَّاحة، ومن أرادَ الرِّياحَ أن تَهبَّ حولَ مضرَبهِ فما عليهِ إلاَّ أن يُثَتبت أوتادَه جيدا، فحقيقةُ الصِّراع ليست على مناصبَ ولا على مُكتسبات، حقيقةُ صراعنا هل أكونُ بما أنا عليهِ أم لا أكون، وهذا خطأٌ طبعاً لإنَّ حِكمةَ الشَّافعي تقول: ( رأيي خطأٌ يَحتملَ الصواب ورأيُ غيرِي صوابٌَ يُحتملُ الخطأ ) إنَّها حقيقةُ إثباتُ الوجود . نلتقي مُجدداً بحول الله الكاتب/ حُسام القاضي.
إرسال تعليق