إن عالم الشعر والأدب مليء بالعوالم الغامضة التي يعيشها الشاعر و المبدع ،
حيث هناك برزخ قائم بين حياة يحياها وأخرى يحلم بها ، والشاعر المبدع
قريب من تلك الغرفة المضاءة و هي التي يعتبرها أداة تعبيره و إبداعه و هي
الكتابة ، مستمتعا بالمعاناة التي يعانيها من الانحدار الروحاني ، يبحث عن
لهيب النار و لو أحرقه .
إنه يسير على جمر النار ليزرع بساتين الأمل و التفاؤل و الأحلام في بيئة جرداء من الخضرة والماء ، يحارب أعداء الشمس
و الحرية ، لا يخفض رأسه ولا يذل نفسه لليالي الحالكات، ومهما كثر محبوه ،
أو كثرت نجومه ، فإنه يحترق بروحه المتوهجة ، المتمردة دائما على الواقع
ليبحث عن عالم أوسع واجمل ، عالم الحب و الضياء و النقاء ، إنه دائما يكره
أن يتدثر بعباءة التقليدية والشيء المعروف الواضح ، لكنه يحلم بالتحرر
من كل ما هو مألوف و طبيعي و طاهر و يحترق بوحدته مع ذاته و مع الكون ،
يعاني آلام الغربة النفسية والجسدية في سبيل تحقيق غاياته النبيلة حتى لو
لاقى الكثير من المتاعب و المصاعب .
إن الشاعر المبدع كثيرا ما يلقى
من تجاهل ولا مبالاة و عدم اعتراف به و بما يقدمه من أعمال ، لأن العامة لم
يعتادوا الخروج عن المألوف ، لكن الشاعر المبدع يدرك أن سر إبداعه و تفرده
يكمن في الخروج عن المألوف ، و التحليق في آفاق الخيال فالشاعر طائر غريب
بين قوم لا يفهمون كلمة واحدة من لغة النفس الجميلة ، يتألم و يتعذب بلهيب
غربته عن العالم الذي يعيش فيه ، و قد يتهمه الناس بالأنانية و التعالي و
الغرور لكنه أبعد الناس عن ذلك لأنه يسعى لقيم تبني في الروح صفاء و نقاء
تسمو بالنفس و تحررها من قيود القيم البالية المستهلكة التي اعتادها الناس
و المبدع يشعر بالراحة و السكينة متى امتدت إليه يد حانية تطرق باب عزلته
بهدوء ، تقاسمه أحزانه ، و عنف فرحته شريطة ألا تقيد من حريته و إبداعاته ،
حتى يعبر إلى عالم أكثر رحابة و اتساعا و هو عالم اللاوراء من أجل البحث
عن الخلود والمجد ، فهو يأبى كل فكر يشوش الفكر والعقل ، و يلوث المشاعر
والأحاسيس ، إن الشاعر في عزلته يفكر في عوالم أخرى من المثالية والأحلام
الجميلة التي يراها داخله ، و تعلنها حروفه و كلماته ، والعزلة هنا ليست
بمعزل عن الواقع الذي يعيشه الشاعر فعليه أن يلتصق بهذا المجتمع و يتعايش
معه نابضا بروحه و قلبه ، يشاركه الأفراح ، يفضل حياة مزينة بجمال الكلمة و
صفائها و نقائها لتخلد في حضن التاريخ' إننا في حاجة لتقدير الشاعر
المبدع لأنه يصهر ذاته من أجل أن تخرج كلمته النقية إلى النور ' فهو يشعر
بعدم التقدير من المجتمع في ظل تسليط الإعلام على أصحاب الفن الهابط الذين
شوهوا أخلاقيات المجتمع فهل هذه هي العدالة؟
إرسال تعليق