GuidePedia

0

قصة المروحة بقلم علي الشافعي 
توقفت ــ يا دام سعدكم ــ وانا انفض الغبار عن تاريخ نسيه اهله عند حادثة غريبة لفتت انتباهي , فوقفت امسح بيدي واقرا , و يا لعجب ما قرات ! سأقول لكم : هل سمعتم عن حادثة المروحة , انها اغرب حادثة في التاريخ الحديث . لا تظنوا ــ رحمكم الله ــ انني أخطأت فكتبت مروحة بدلا من ان اكتب مروحية , فيذهب ذهنكم الى مروحيات بني اسرائيل التي تجوب سماء بلاد العرب , وتقتنصالاطفال في شوارع غزة . او قد يذهب ذهنكم مروحيات مونيكا وهي تقصف العراق وتورا بورا . لا لا , انا اعني ما اقول , انها اشهر مروحة في التاريخ قادت لاحتلال بلد عربي في اشرس استعمار احتلالي في التاريخ , دام قرابه 130عاما , قتل ودمر وخرب واحرق مدنا بكاملها على رؤوس اصحابها , حتى باتت تلك الدولة تعرف ببلد المليوني شهيد . اظنكم عرفتموها الان , انا الحبيبة الجزائر , التي احتفلت الاسبوع الماضي بعيد استقلالها المجيد , فما قصة المروحة ؟ وهل لليهود دور فيها كما اشم ؟ وما قانون الاهالي الذي طبقه المحتل الفرنسي على اهلها ؟ تعالوا ــ احبتي ــ نكشف المكشوف , بعد ان تصلوا على خير الانام : 
في يوم التاسع والعشرين من ابريل نيسان سنة 1827م في قصر (الداي حسين) في العاصمة الجزائر , حضر القنصل الفرنسي ( بيار دوفال ) إلى القصر يوم عيد الفطر، وهناك طالبه الداي بدفع الديون المترتبة للجزائر على فرنسا ام الثورات الحديثة , المقدرة ب 24 مليون فرنك فرنسي ، فرد عليه القنصل قائلا : (ان حكومتي لا تتنازل لإجابه رجل مثلكم) , فرد الداي بطرده ولوح له بمروحة خشبية كانت بيده , والتي دخلت التاريخ من اعنف ابوابه . لم يرق للإدارة الفرنسية سلوك الداي, طالبة منه الاعتذار خلال 24 ساعة ورفع الراية الفرنسية على العاصمة الجزائرية وشروطا أخرى اعتبرها الداي بمثابة اهانة له حتى انه سخر من ذلك , فيما معناه ,(لم يبق لفرنسا الا أن تطلب زوجتي)..... فبعث شارل العاشر بجيش قوامه حوالي 40 ألف جندي , من تولوز -احدى الموانئ الفرنسية جنوبا- لتأديب الداي وديوانه بحجة استرجاع مكانة وشرف فرنسا. وهذه الذريعة كانت السبب في الحصار على الجزائر سنة 1828 لمدة 6 أشهر وبعدها الاحتلال ودخول السواحل الجزائرية .
تعود الجذور التاريخية للحادثة في الأساس إلى أزمة الديون التي نشبت بين الولاية الجزائرية -العهد العثماني - والحكومة الفرنسية , إذ دعمت الجزائر فرنسا بالحبوب خاصة بعد العزلة التي فرضت عليها أروبا بسبب اعلانها لمبادئ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان , و محاولتها محاربة الأنظمة الملكية الرجعية ، فكانت الجزائر بذلك خير صديق وحليف لفرنسا باعتراف حكامها انفسهم , و حدث أن توسطت شركة يهودية يتزعمها الاخوة (بكري ) عمليات ذلك التبادل , و قد كانوا أذكياء في خلق أزمة سياسية بين الجزائر والحكومة الفرنسية , و قد ساعدهم في ذلك المخطط القنصل ’’دوفال ’’ الذي تطاول على أعلى مرتبة قيادية في الجزائر انداك ,’’الداي حسين’’، عند استفساره عن سبب تأخر الحكومة الفرنسية في الرد على رسائله وبرقياته , فكان ذلك الرد المشؤوم . شكل رد القنصل الفرنسي بتلك الطريقة إهانة واستفزازا صريحا للداي وديوانه , مما جعله يطرده من مجلسه , ملوحا له بمروحته . 
حاولت الإدارة الفرنسية عند احتلالها للجزائر أن تضفي الشرعية على هذه الحملة , هادفة من خلال ذلك إلى إقناع الرأي العام الفرنسي قبل العالمي بمصداقية هذا الفعل قبل موعد الحملة ، وتصويرها على أنها حملة لاسترجاع هيبة وشرف فرنسا الذين داس عليهما داي الجزائر ’’حسين ’’ فيما اصطلح عليه بحادثة المروحة . هل يعقل أن نبرر تواجد الاحتلال الفرنسي بالجزائر لمدة قرن وأزيد بمهمة إعادة شرف فرنسا وهيبتها ؟ ام ان هناك اهدافا اخرى , واحقادا دفينة على الدولة الاسلامية , يرجع تاريخها الى قرون خلت عندما كانت الجزائر تمتلك اقوى واضخم اسطول اسلامي , جاب البحر المتوسط لقرابة قرنين من الزمان , دفعت له اغلب دول أوروبا الضرائب , للسماح لسفنها بالملاحة فيه , وكانت الموانئ الفرنسية مفتوحة له , بموجب معاهدة مع السلطان العثماني سليمان القانوني , الذي كان يعتبر فرنسا ولاية عثمانية . هدا فضلا عن دوافعها الأخرى التي لا يمكن اغفالها من محاولة لتنصير الشمال الأفريقي , وادخال ما اصطلحت عليه فيما بعد بينابيع الحضارة والتقدم إلى البلاد البربرية .
تم للمستعمر احتلال الجزائر مستغلا ضعف دولة الخلافة في بسط نفوذها على الشمال الافريقي بسبب ثورات البلقان المشهورة والتي كان لليهود ضلعا كبيرا في اذكائها فقامت الثورات لمقاومة المحتل , فجوبهت بحرق المدن القرى على رؤوس اهلها , وفي عام 1871 صدر ''الأنديجينا ''او قانون الأهالي وكما بينه الدكتور أبو القاسم سعد اللّه في كتابه الحركة الوطنية الجزائرية (1860 1900) ، وهو عبارة عن مجموعة إجراءات تعسفية مورست على الأهالي المحليين مبنية أساسا على الظلم والجور والقهر والحرمان لعل أهمها " القضاء على المؤسسات التقليدية كنظام الجماعة الذي يسير شؤون المواطنين بمقتضى العرف والتقاليد والقوانين الإسلامية " والحد من حرية تحرك الجزائريين في وطنهم إلا برخصة يقدمها المستعمر , كما منح حكام الاقاليم حرية اعقاب الجماعي بما يرونه مناسبا للقضاء على الثورات واخمادها , ولو ادى الامر الى حرق مدن بكاملها وتهديم البيوت على رؤوس اهلها , إضافة الى تقسيم الاراضي إلى ثلاثة أقسام :
ثلث تستولي عليه إدارة الاستعمار , توزعه على المهاجرين الاوروبيين , وتجبر الفلاحين الجزائريين على العمل فيه كالعبيد , وثلث يستفيد منه العملاء والقواد وزعماء القرى ( المخاتير) المتعاونين مع المستعمر , الثلث الباقي من الأراضي غير الصالحة والمجود أغلبها قرب الجبال أو داخلها للأهالي مقابل ضرائب تعسفية يدفعونها للمحتل .
ذكرني ذلك القانون المشؤوم بقانون العُشر الذي سنته ايطاليا الفاشية ابان احتلالها لليبيا , ويقضي بحرق عُشْر محاصيل القرى التي يخرج منها الثوار او تساعدهم , وقتل عشر سكانها , وتهديم عشر بيوتها , هذا القانون المجحف استعانت به بريطانيا ابان انتدابها على فلسطين , فكانت تعدم بالشبهة اذا وجدت رصاصة فارغة في بيت فلسطيني , وتعمل نفس الشيء مع القرى التي يخرج الثوار منها . ولعل بعض مشاهد التغريبة الفلسطينية شاهد على ذلك .
وبعد ــ ايها السادة الافاضل ــ فقد استقلت الجزائر, بعد ان ضحت بمليوني شهيد , وعاد الحق الى اهله . فهنيئا لهم الثورة وهنيئا لهم الاستقلال والحرية التي تنسموها , والعاقبة بإذن الله لفلسطين , فسيدحر المحتل وتعود الارض الى اهلها بإذن الله , فصبرا اهلنا انما النصر صبر ساعة , ( فتح من الله ونصر قريب وبشر المؤمنين) . طبتم وطابت اوقاتكم .

إرسال تعليق

 
Top