GuidePedia

0
المساء هادِئ، الا من صخب ضحكاتها المتواصلة، تسمع شفق الغروب همساً يناغم نجومه وهي تحتضن طفلها الصغير.
- أخيراً سيكون لنا سقف يبعد عنا شبح التشرد، ويثبت لقريتي الغارقة في العصور القديمة أن شجاعة المرأة تساوي رجل.
لم تغادر ((المشتمل)) قبل ان تودع جدرانه’ المصقولة بالجبس الناصع البياض، وهي تملى أنفاسها بعبق رطوبته الفتية.
أصوات الأبواب وهي تفتح وتغلق كأجراس الأعياد يراقص خيالها في عالم أخر.
منظر الشبابيك المغلفة ((بالنايلون) وهي ينتظر ان يفرجها الله حتى ينهي صومه’ بلوح زجاج)) يرسم في ذهنها خارطة طريق نهاية لسنوات التعب.
وهي تقف على عتبة الباب لم تشعر بدموعها المنهمرة من جفونها التي اشتاقت للفرح، كأنه’ موسم فيضان أحيا نهر ديالى.
سارت بخطواتها وهي تتهادى في طريق ترابي، تذكرت ان تتصل بأختها التي تسكن قريباً من منزلها الجديد.
مدت يدها واخرجت الموبايل من بين طيات العباءة.
-سأتصل بك في الصباح حتى تساعديني في ترتيب الأغراض والأثاث.
الليل طويل، كالقفص لطائر يتوق للحرية.
عند انتصاف الليل، سكتت الرّيح وانطفأت المصابيح بعد أن فارقتها ((الكهرباء الوطنية)).
كل شيء كان في سكون أو سبات، الا هي بقية تراقب من شباك غرفتها ظلال البساتين الغافية بأمان ووداعة.
تسابق شروق الشمس بالسهر، تقدمه’ هدية للشمس عرفان منها لطلوعها.
لحظات من الصمت سبقت بريق الضوء وصوت انفجار هز بيوت القرية كلها، أفزع العصافير الراقدة على الاغصان، واهتزت منه’ جذوع النخيل والأشجار.
الخوف تملك النفوس المفزوعة بعد ان طردت النعاس.
-ماذا حدث؟؟!.
لا أحد سيعرف الإجابة الا من كان قريبا من الحدث، وللصباح عيون ستعلم الجميع.
وضعت يدها على قلبها، لكنها لا تريد ان تستبق الفزع من دون يقين، فالانفجار كان في الجهة التي يقع فيها بيتها الجديد.
مر من أمام عينها شريط من الذكريات الأليمة للأيام كست جدران البيوت بلون الحداد وأسماء من مات بانفجار او اقتتال طائفي.
صوت رنين الموبايل كان مختلف هذا المرة وهو يسبق طلوع الفجر، كأنه غراب يصيح.
من الجهة الأخرى كان صوت اختها المخنوق بالعبرات والدموع، والحسرة تلف أنفاسها.
-الو، أختي، تعبك ضاع، بيتك تفجر.
سقط الموبايل من يدها، أحست ان هناك أشياء تتحطم داخلها وتنهار أشياء أخرى.
ارادت ان تفتح الباب وتركض نحو أنقاض الحلم، تحتضنه وتنوح، وتشيعه لمثواها الأخير.

إرسال تعليق

 
Top