GuidePedia

0

                                    الأبناء

تلتقط الحاجة آمنة أولى بيضات دجاجاتها سعيدة، ها هن يبشرنها بمحصول وافر من البيض في قادم الأيام، أخيرا ستتناول طعاما غير المش الذي أنهك معدتها في تلك الأيام القاسية الحرارة...منذ أن ماتت دجاجاتها في ذلك الوباء لم تتناول طعاما غيره...وهي تضعها في السلة، تسمع صوت طرقات على بابها...تتساءل من القادم إليها في تلك الساعة المبكرة من الصباح...لم يطرق أحد بابها منذ أيام... جارتها سعيدة أعجزها المرض تماما، وكانت الوحيدة التي تؤنس وحشة أيامها...ولدها وابنتها لم يزوراها منذ أيام وشهور تعجز أن تحصيها...لا لا بل تحصيها باليوم والساعة والدقيقة ولكنها تحاول أن تدعي النسيان كي لا يقض مضجعها الفكر وتؤرقها الذكريات...ليتها تنسى...أيكونا هما وقد تذكراها أخيرا؟ تراههما فطنا أخيرا أن لهما أما لم تتكحل عيناها برؤيتهما منذ فترة مرت عليها كدهر؟...نعم إنهما هما..هكذا حدثت نفسها...انتابتها فرحة ممزوجة بتوجس وهي تسرع ناحية الباب لترى من القادم...يصدق حدسها، ابنها وابنتها وأحفادها، يا لسعادتها، تستقبلهما بترحاب لا لوم ولا عتاب..تقبل أحفادها في شوق ولهفة...وبعد أن تنتهي من مراسم استقبالهما، يسقط في يدها ما عساها أن تقدمه لهما في الغذاء فالبيت خال من أي طعام اللهم إلا من بلاص المش العتيق...هما لا يحبانه وبالتأكيد أطفالهما...ستذبح لهما دجاجاتها الخمس...لا يهم أنهن قد بدأن البيض...لا يهم أنها كانت ستغير أخيرا من طعم المش...ستشتري كتاكيتا جديدة...بعد أربعة أشهر سيصرن دجاجات وستبضن...لن يضيرها انتظار آخر، طالما انتظرت...تلوم نفسها أن شعرت بغصة وهي تذبح أخراهن، وتقول لنفسها معاتبة:
-- ماذا جرى لك يا آمنة هل صرت بخيلة لهذه الدرجة؟
بعد أن يلتهم الإبنان والأحفاد دجاجاتها الخمس ويجلسون جميعا يرتشفون أكواب الشاي بالنعناع. ..تلاحظ نظرات متبادلة بين ولدها وابنتها...تحس بهما يريدان أن يقولا لها شيئاً يتحرجان منه قليلا...كلاهما يريد من الآخر أن يكون هو المتحدث...بعد لحظات قليلة من الصمت يتجرأ الابن وهو يقول لها:
--- لقد جئنا لنخبرك أننا قد بعنا هذا البيت، ثم يضع يده في جيبه وهو يخرج رزمة نقدية ويواصل:
-- وها هو الثمن نصيبك: ألف جنيه عليك تدبر أمرك بها

إرسال تعليق

 
Top