GuidePedia

0
لم يتحمل سماع الخبر، خرج فور سماعه مندفعا يعلو صدره وينتفض كطلقات مدفع مدويه..لايكاد يصدق ماسمع..الصدمة بداخله تزلزل كيانه..أخذ طريقه في الظلام بين الحقول علي الطريق الزراعي الممتد الطويل..يسمع رنين صوته بداخله يدوي باحثا عن إجابه لعلامات الإستفهام المتلاحقه..كيف، ومتي، وأين، ومن، ولماذا؟! تمت الخطبه والموافقه بهذه السرعة دون أن أدري..وبكل قوته خرجت الآه من قلبه وحنجرته تستقبلها دموع عينيه علي شفتيه..منفجرا بالبكاء كطفل فقدته أمه.. نادما أشد الندم لحلم السنين الجميلة الذي ضاع..تعثرت قدماه..إرتمي علي شجرة قريبة منه..أمسك بها..وقف يحدثها ويعاتبها..خيل إليه أنها هي وحانت ساعة الإنتقام..إحتضنها بكلتا يديه ورجليه وفكيه..فشعر ببروده الماء..إنتفض واقفا يبحث عن الشجرة اليافعة الخضراء التي إستظل تحتها سنين عمره..لم يجدها واقفه..وجدها قد إنكسرت كسرا واضحا من أسفلها وبالقرب من الجذع وملطخه بالطين..حملق فيها بعد بربشه خفيفه من عينيه..مسح دموعه بكم جلبابه..غسل يديه من الطين بالماء..جففهما بطرف جلبابه..ثم أخذ شهيقا طويلا مع خروج الزفير بطيئا، فخرجت منطلقه من بين فكيه ضحكه جنونيه صاخبه دوت في السكون المخيم الذي يلف المنطقة..ثم لحقها بضحكات أخري جنونيه متتاليه وبسرعه متواليه، مرددا..لقد قتلتها..قتلتها وماتت، ماتت..ثم خيم الصمت علي الوجود من جديد بعد صدي الصوت البعيد..إرتجف جسمه مرتعشا، إلتفت حوله..لم ير شيئا سوي الأشجار الواقفه الصامته علي إمتداد المدي البعيد..ثم علا صوت نقيق الضفادع..شعر بأنه حر طليق في صحراء موحشه..وخيل إليه بأنه خلف قضبان خفيه، صار في جسمه الفزع..وفي قلبه الرعب الشديد..رفع رأسه ويديه وصوته مناديا السماء..داعيا ربه أن يغفر له فعلته التي ندم علي إرتكابها أشد الندم، هام علي وجهه مرتميا علي الشجرة المكسورة أمامه..ركع علي ركبتيه يقبلها ولم يتركها، إلا عندما إستجابت له السماء بالبكاء من أجله بمطر غزير..ثم هاجت الطبيعة الهادئه منذ قليل وعصفت الريح بالأشجار..فشعر بأنه وسط غابة حالكة السواد، أو أنه في وسط بحر هائج متلاطم الأمواج..فترك الشجرة مهرولا يبحث عن مكان يختبئ فيه فلم يجد..وقع علي الأرض..قام، ثم وقع بعد أن قام..تتكرر حاله وقوعه وقيامه..تتخبط قدماه بالأرض متعثرة..أسرع حتي وصل..تباطأت خطواته عندما إقترب من باب الدار..تماسك قبل أن يقع..إستند بيده علي الجدار المائل المتآكل القديم.. دخل حجرته متسللا بعد أن تحسس المكان جيدا وسط الظلام..أحكم غلق الباب من خلفه جيدا..بحث عن علبه الكبريت..وجدها بصعوبه شديدة بجوار الموقد الفارغ من القوالح..أضاء المصباح بعد أن مسح زجاجته من الهباب الأسود..نظر إليه وجده فارغا من الوقود الجاز..حدق بنظره في ساعته وجدها تشير الي الواحدة صباحا بعد منتصف الليل..هب المصباح ثم إنطفأ فجأة..خلع ملابسه المبلله بالماء والطين..وقذف بها الظلام بعيدا في زاوية الحجرة الواسعة الرطبة..فك حذاءه الذي إختفي لونه تماما من الطين..لم يستطع أن يوقف رعشه أصابعه النحيله المهتزه كزلزال مستمر الحركه..تتخبط أسنانه وأضراسه بفكه العلوي وبصوت مسموع..قفر بجسمه النحيف داخل الفراش ملفوفا ومختفيا بأكمله، فطال سهده بعيون مفتوحه في الظلام، حتي قل تنهده، وشعر بدفء لم يشعر به منذ زمن طويل..ثم راح في سبات عميق علي آذان الديكه، وشقشقه وزقزقه العصافير الحرة الطليقه، مغرده سعيده بالشروق الجديد.

إرسال تعليق

 
Top