آلهة ظرفاء
بقلم: سعود الأسَدي
1- غراميّات زيوس العظيم
لليونانيّن القدماء فضل على النّاس في الفلسفة والعلوم من رياضيّة وفيزيائيّة واجتماعيّة وغيرها، ولا تزال مصطلحاتهم في معظم لغات العالم مثل ديمقراطيّة ودكتاتوريّة وسيكولوجي وبيولوجي وانتروبولجي وغيرها كثير، وللأساطير اليونانيّة سحر وخاصة فيما يتعلّق بتعدّد آلهتهم وإلاهاتهم وأبطالهم ما يدور حولها من قصص أثْرَت الإبداع الأوروبيّ إلى يومنا هذا في مجال الأدب من شعر وفكر وفلسفة ومسرح وموسيقى ورسم ونحت وعمارة وحضارة.
ولعلّ من مظاهر ديمقراطية اليونان تخصّص كل إله في جهة من جهات الكون والحياة ، وجميعهم يخضعون لكبيرهم وهو الإله زيوس إله الرّعد والبرق ، ومسكنهم قمّة جبل الأولمب ، فهذا أبولو إله الفنون، بما فيها الموسيقى والشّعر ،وهو الأخ التوأم لأرتميس إلهة الصّيد، والرّماية والولادة والعذريّة وحامية صغار الحيوانات والبشر، وفي بعض الأساطير كانت إلهة للقمر، وهذه أثينا إلهة الحكمة، والحرب والتّخطيط المدنيّ. وهي ابنة زيوس المفضّلة.وكذلك اريس إله الحرب والانتقام. هو أخو أثينا وأفروديت إلهة الحبّ والجمال وپوسيدون إله البحار هو أخو هيدز وزيوس . وديونيسيوس إله الخمر لم يكن أحد الآلهة الأولمبيّة الأصليّة، لكنّه انضمّ إليهم بعد أن تنازلت هيستيا عن منصبها لصالحه، وديميتريوس إلهة الزّراعة والخصوبة.
وهيدز إله العالم السّفلي وهو أخو بوسيدون وزيوس وهيرا إلهة الزواج، وهي زوجة زيوس.
وهرمس إله السّفر واللصوص والتّجارة ورسول الآلهة.وهيستيا إلهة الموقد وهيفيستوس إله النار والشُّحْبار. وهو زوج أفروديت وقد أجبرها زيوس على الزّواج من إله النّار انتقامًا منها لأنها لم تُجبه إلى مبتغاه الفاحش.وآخر إلهتهم إله خيّر هو بروميثيوس سارق النار في غفلة عن زيوس وأعوانه لصالح الإنسان.
ونظرًا لديمقراطيّة اليونان وقدرتهم على نقد التّسلّط والاستبداد فقد أضفوا صفاتهم وسلوكهم على آلهتهم، لذا فقد أوجدوا لضرورة تصحيح الاعوجاج الإله موموس إله السخريّة والنّقد، ولم يفلت من نقده وسخريته لا إله كبير ولا صغير حتى زيوس العظيم. ونظرًا لنقده وسخريته فقد جرّ على نفسه النّفي من الأولمب.
وبالعودة إلى زيوس فهو كبير الآلهة وقد وصل إلى السّلطة العليا بعد أن تغلّب على الجبابرة الذين حكموا العالم فبل الآلهة، وهو ذو شخصيّة ذات جوانب متعدّدة، وهو على العموم بالمقاييس الحديثة ليس الإله الجلف القاسي الرّهيب، بل رحيم ويحب ذاته وغيور فعندما يريد أن يقرّر قرارًا هامّاً تراه غامضًا ويعمد الى المراوغة ويمرّر الأمور بنعومة على الآخرين، وهو شهم وإلى جانب العدل والحقيقة، ويتدخّل عند الضّرورة في شؤون الآلهة الأخرى، ويتحيّز في الحروب لمن يُحبّهم من الأبطال،وهو إلهه عشّاق وبسبب مغامراته الغراميّة فقد شغل أفكار كبار الرّسّامين الإيطاليين أمثل تيتان وكوريجيو.
ومن أمثلة مغامراته ونزواته حكايته مع كاليستو وهي حوريّة ذات جمال فريد وكانت ترافق إلهة الصّيد أرتميس (ديانا عند الرّومان)وهي مخلصة لها ، وذات رشاقةفي الصّيد والتّعامل بمهارة فائقة مع القوس والنشّاب ورمي الرّمح على أعتى الوحوش الضّواري.
وذات يوم فقد انفردت كاليستو عن رفيقتها أرتميس وهي تطارد الخنازير والذّئاب في غابات أركاديا حتى أصابها التّعب والإعياء فآوت إلى ظلّ شجرة وارفة الظّلال رقيقة الحفيف والنّسيم
وأخذت تترنّم بهذه الأبيات من الشّعر وهي في قبضة الشّغف والشّبق:
ألا ليتَ يأتيني حبيبي يَشُمُّـني كَأَنْ عَـرَقي في الشَّمِّ عِطْرٌ لَدَى الشَّمِّ
ألا ليتَ يَأْتيني حبيبي يَضُمُّني ولا شئَ يحلو الآنَ عندي سِوَى الضَّمِّ
أَتُوْقُ وَتَوْقِي مِثْلُ نارٍ تَلُفُّني فيا هلْ ترَى بالنّارِ ذي عَلِمَتْ أُمّى
أَتُوْقُ إلى فِعْلٍ شَهِيٍّ غَريزتي تحاوِرُني فيـه ومـا هـو بالإثْـمِ *
ولعلّ هذا الشّبق المحموم كان دعوة لزيوس العظيم الهائم على وجهه في غابة أركاديا، وكالمهر الجامح الذى شمَّ رائحة المهرة الحائل عن بعد شخر ونخر وانطلق على متن البرق ونزل بمكان يرى منه كاليستو عن كثب وهي لا تراه حتى إذا كحّل النّوم جفونها واضطجعت اقترب منها فراها في وضع مُغْرٍ غير محتشم فانقضّ عليها وقضى وتره منها.
ولما نهضت ورأت ما حل بها عمدت الى جدول واغتسلت، وأخفت الأمر عن أرتميس وكأنّ شيئاً لم يكن ومرّت أسابيع وبضعة شهور ، وذات يوم وأرتميس وكاليستو ولفيف من العذارى بعد أن فرغن من الصّيد اقتربن من غدير صافٍ عذب زلال ونزعن ملابسهنّ ونزلن الى الماء ليبتردن إلا كاليستو فقد انتبذت مكانًا منزويًا وأخذت تجهش، ولما رأتها أرتميس والعذاري على تلك الحال عمدن إلى إرضائها ونزعن عنا ملابسها قسرًا وحملنها إلى ماء الغدير وهي تغطي بطنها بيديها.
وبما أنّ أرتميس هي إلهة العذارى والزّواج والولادة فقد أدركت والعذارى المرافقات أنّ كاليستو لا تستطيع أن تُخفي أمرها حتى نمى الخبر إلى هيرا وهي شديدة الغيرة عمّا فعله زوجها زيوس من خيانة، فأخذت تَشُطّ وعن الأرض تنُطّ وعلى وجهها تَلُطّ.وذهبت لتعاقب كاليستو غريمتها، فأمسكتها من جدائلها والقت بها إلى الثّرى ومرغتها بلا شفقة أو رحمة حتى إذا قامت وجدت يديها وساقيها مكسوّتين بشعر أشعت أغبر كثيف، فأخذت تشخر وتنخر وتدبّ علي أربع، وابنها أركاس يرضع منها، ويتبعها حتي بلغ مبلغ الرّجال، وفيما هو يصطاد برمحه الطّويل لقي تلك الدُّبّة وكاد أن يهوى عليها برمحه فأتى زيوس والده كبرقة خاطفة ومسخه إلى دبّ صغير.والتمس من إله البحر أن يرفع الدّب وأمّه الى الأفق وأن لايغيبا وراء البحار، وهكذ صارا في السماء نجمين لا يغيبان، وهما ما نسمّيهما في علم الفلك الدّبّ الاكبر والدّبّ الأصغر من مجموعة بنات نعش الشّهيرات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ألأبيات الأربعة أعلاه من نظم كاتب المقال.
إرسال تعليق