الـبهـو الـقـديـم
بهو مظلم في منزل قديم كان فيما مضى مثل مغارة علي بابا بكنزها والذهب واللؤلؤ المكنون
الان السكون في ارجائة يعم تمكن البرد من جدرانه الرطبة وخيوط نسيج العنكبوت جعلت من زواياه جدارا لعرض دقة نسيج شباكها
ارضه بدت مثل قطعة قماش مبتلة رميت عليها قطع من حديد وخشب قديم حولته الايام الى مكب لأشيائهم البالية سنين مرت وتوالت على من سكن الدار وهو في معزل ولا تطأه اي قدم
احجاره كأنها تقول لمن يُسمع خطى اقدامهم تتحرك فوق سقفه وتقول لهم ها انا ذا وسوف تنزل تلك الخطى على حجر درجي القديم وأكون ملاذا لكم واحتضنكم رغم هجركم لي على مر السنين
توالت الايام وخرقت خطى الاقدام سكون المكان وضوء انير وتحرك الخشب والحديد ورمي خارجة وافترشت ارضه ووضعت الوسائد والأغطية وعلب فيها القليل من الماء والطعام تساءلت احجار جدرانه ما الذي حصل وجعل بهو المنزل المظلم البارد العفن المهجور قد تحول الى مكان للعيش ويسكن فيه البشر
كان ذاك البهو هو ملاذ الامنين من نيران تحصد الارواح ولا وقت لها ولا سبيل لإيقافها سوى الهرب الى البهو القديم
نزل الاب ومعه اطفاله وقد فقدوا الام منذ ايام بسبب المرض الشديد والجدة مسنة لا تقوى على الحراك تعمل على تلبية طلباتهم بصعوبة جلسوا ايام وشهورا كانوا ينامون في البهو وعندما تنطفء النيران خارجة يخرجون منه ثم يعودون هربا اليه
غلبهم النوم في احد الايام واستيقظ الاب على والجدة على صوت سقوط الاحجار والجدار لم يتمكنوا من فتح اعينهم بسبب تطاير رمال الجدران والأحجار التي تهدمت حاولت الجدة ان تضم الاطفال فسقط عليها جدار اصاب جزء من ذاك الجسد الذي بدت علية علامات الكبر والانحناء في الظهر منعها من الحراك سال دمها وابنها يحاول لملمة الاطفال نظر اليها منكسرا هل يخرج اربعة اطفال ام يخرج امه ولا يتركها ملقية على ارض البهو القديم
صرخ الاطفال والبكاء والصراخ والدم امتزجوا وكانوا مثل دوامة ضاع فيها ولم يتمكن من الفرار
استجمع قواه وحمل الاطفال وترك امه ملقية تنزف بعد ان قصم الجدار نصف جسدها حاول ان يعود لإنقاذها لكن الوقت قد فات وسقطت عليها كومة احجار وانهار جدار المنزل ودفن جسدها في بهو الدار
اطفالة مابين جريح ومتكسر الاضلاع ونزيف وقطع من الحديد قد خرقت جزء من الجسد او اشتعلت فيه النيران يسعف هذا ويركض وحيدا الى ذاك مابين اربعة من الاطفال تاه وعقله لا زال يفكر بمن تحت الانقاض وقلبه ينزف الما بدل الدم على ام لم يتمكن من انقاذها حتى وان كانت قد سكنت في صدرها الانفاس وتوقفت دقات قلبها فكان يود لو ان لها قبر يزوره ويبكي لا ان تدفن تحت الركام
امي لا زال يبكي مثل طفل اضاع امة في سوق وتشب بعباءة اخرى يظن انها هيا وحين تستدير يبكي ويصرخ رغم سنين عمره الاربعين
لم يكن مخيرا فلقد ذاق اليتم مثل اطفاله الاربعة وبات الاب والأطفال ايتام بلا امهات
هذه حكاية بهو من مدينتي في احد الازقة القديمة
بقلم /ميادة حمزة
إرسال تعليق