رسالة عتب إلى أمي ؟؟
بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
يصفعني غيابك أمي كطفل صغير تجاوز الثلاثين بحرا من الملح وكله جراحات لا تندمل !!
يتركني وحيدا في محطات اليتم أتسول وجودك الحاضر الغائب ، المعقد الفهم !!
كل شيء معد للنسيان في عصور لانبالي فيها لسقوطنا في مستنقعات الشعوب المطرجة بالعار !!
فالوطن ينسى عندما يصبح الموت هناك سهلا ويوزع بالمجان !!
والحب ينسى حينما تصير الحبيبات كعلب السجائر تباع بأسعار زهيدة !!
والذكريات تصدأ كلما نفرشها تحت أشعة الشمس الملتهبة لنزيل عنها عفن الأيام اللئام !!
والعدو ينسى تحت وصاية قادة يوقعون معاهدات الأستسلام قبل دخول المعركة !!
والعواصم تنسى بشعوبها بمساجدها بكنائسها تنسى ؟؟ كالقدس كدمشق كبغداد ، فنحن أمة تمارس النسيان طواعية وقسرا كي نستطيع مواجهة نظراتنا المتسائلة أمام المرآة المحطمة !!
حتى الشعائر الدينية تنسى ؟؟ فأمامنا نسي كيفية الوضوء من كثرة الجنابة !!
وأبو كنيستنا نسي الصلوات التي يبتدأ بها مزادت التنحي عن واجباته السماوية من كثرة مراجعة فروع الأمن !!
منتهى الغبن أن نمشي حفاة في أزقة الخطر وندعي عشق الحياة وبداخلنا ألف الف عتب على تأخر عربة الموتى !!
منتهى الجبن أن نردد الأغاني الوطنية بحماسة ، ونحن في المنفى نحتسي الشاي المعطر برائحة العمالة في مقهى يحاذي مصانع السلاح المنهمكة بتلبية طلبات الموت في أوطاننا !!
منتهى الغباء أن ننتظر وصول جيوش لاعداد لها من الملائكة تنفيذا للرغبة الألهية ونحن لا نستقر للدعاء إلا في حالة السكر التام أو خلال نشرة الأخبار المليئة بأشلاء الضحايا العرب !!
يسأل محمد الماغوط فيما مضى هل لهذه الدرجة لم نعد نبالي لضياع أمتنا ؟؟
( ضمن قصيدة سأخون وطني )
نعم نعم لم نعد نبالي إلى أقصى الحدود
ولم تعد الأوطان موجودة لنخونها
ولم يعد الصهيانة أعداء الأمة النائمة على أفخاذ غوانيها
الحمدلله بأننا تجاوزنا عتبات الحزن ومقاعد الأمل و أوقات الدعاء
وأرائك الشوق وسرائر البكاء ؟؟ وكما قال محمود درويش .. تنسى كأنك لم تكن ..
وفي خضم اللامبالاة على ضفاف الحياة السريعة المفرغة من الأحاسيس والعديمة الأنتماءات هناك شيء يمزقني من الداخل ويعتصر حشاشة قلبي هو أنت ياأمي !!
ويبقى السؤال المحير يرتعد في أقبية الأنتظار ، كيف وأنا أنتمي لأمة غفلت عن كل شيء وباتت تحارب الفضيلة بالرذيلة ، وتنعي كرامتها بصالات الديسكو ، وتسبح بأسم القائد وترفعه لمقام الأله المعصوم عن الخطأ وأن أخطأ ، وتحفظ عن ظهر قلب أهداف الحزب النازي في حين تتلعثم بقراءة سورة الفاتحة !! كيف وأنا من تلك الفئة الضالة ومازلت أحمل في جيوب معطفي مشاعر الشوق والحنين لأمي الغائبة .
أعذروني فلن أكمل فسيارة الأسعاف العربي الفائقة السرعة قد وصلت وغرفة العلميات تنتظرني بفارغ الصبر لاجراء عملية جراحية مجانية لتجتث من داخلي تلك المشاعر البالية !!
إرسال تعليق