في أي موعد نغني؟
ماكنت أذكر شيئا لو لم أسدل ستار الظلام عن النهار الذي أبى أن ياتي ...جمعتُ بعضًا من ذكرياتي وقررت الرحيل إلى بلدتي التي أنبتتني كزهرة جبلية فريدة وحيدة..حيث الأرض قد عانقت عَنان السماء وقد بلغ الجمال ذروته المعهودة في كل الفصول ؛ الشتاء شيء آخر في بلدتي نكهته ..ألوانه التي لا تضاهيها كل الألوان كل معالم الحياة تولدت في نقطة واحدة
كل من وطأها أخذ في قلبه حياة أخرى ....
كنت أقصدها بين فترة وأخرى مخلفة من ورائي ...هذه الحياة التي أتعبتنا ونحن لازلنا نبحث عن فجرها . نفضتُ من جبيني غبار الزمن الذي لا يأبى أن يتوقف، حملت خطواتي الأخيرة ،إلى الظلال وقررتُ أن أرسم لوحتي مع كل نسمة صبح ٍ ..
حملت أغراضي ودواتي أكملت سيري للمنزل وكلّي توْق لأصدقائي أترابي لغرفتي ..مدفاتي ..وكتبي القديمة أحدثتُ ضجّة وأنا أمشي بهدوء وأصعد لغرفتي ،كان المساء قد اقترب أن يلفني بردائه كالعادة واسترسلتُ في حديثي الروتينيّ الذي لم يزهر بعد،دون ملل أو توقف مع كل من صادفته ..
ولازلتُ أتحدث وأنا أسمع رياحا عاتية تكاد تكسر نوافذ البيت، فخرجت إلى الشرفة و توقفتُ هنيهة،أرمي ببصري بعيدا كانت الثلوج قد زينت بلدتي بحلة بيضاء ناصعة وجبال راسيات بقممها أحاطت البلدة برونق وسحر خلاب فتقت ُ لجماله الباهر الذي أخذ مخيلتي لأمد بعيدٍ،بعيدٍ جدا، طوقتني الذكريات كأنني بدأتُ من جديد رحلتي ، وساد الصمت في قلبي ،وتوقفتِ دندنة المساءات التي أضنتني بالسّمر،واكتفيت ُبالطبيعة الحسناء وأنا لازلتُ أجيب بصمت: الصمت يحدث كل شيء ،ولم لا ؟ ألا نتحدث ونحن نلوذ للصمت !! في قرارتي سحر دفين سأزرعه لينبت ويزهر ويثمر..
.كان الوقت مشيرا لساعات المغرب وشعاع مسترسل في مساحات شاسعة للأفق.تحاول الشمس أن تخترق هذا الجدار فامتزج الجمال ..كون أزليٌّ يفيض نورا .
امتد ناصعا من صنع خالق قدير ..فتلقّفتُ اللّحظة أخطفها خطفا خشية مني أن تختفيَ للأبد ...
فمرّت من أمامي كل الذكريات الماضوية ولازلت أحدق للمدى البعيد وأراك تجوب خيالي رغما عني في كل لحظة كما كنا نغني معا لحظة الغروب.....فبقيت أتامل لساعات ورذاذ خفيف غطى كامل أجزاء جسدي ..شعرت ببرد شديد وعدت أدراجي لغرفتي.
في غرفتي مدفأة والحطب يحترق محدثا صوتا قويا،كان البرد قد غصّ على مكنونات الوجود، فكل في بيته،ووكره وجحره ، تحت النافذة فراش كانت تصنعه أمي من الصوف الخالص وغطاء مزركش صوفي تغزله النساء بإتقان ،
كنت وكأنني أرتطم بذكريات كثيرة ..ألفيتُ هذا العالم الهادئ منبع الحياة في وجداني فأسندت ظهري للحظة ..وإذا بي أسمع وقع خطوات بعيدة تقترب شيئا فشيئا ..وصوت الباب الموصد على آخره يحدث صوتا وماهي إلا لحظات حتى شعرت بلمسات دافئة تزيح خصلات شعري المنسدل على وجهي بكل رقة ..ونوتات الرياح العاتية تزيد الجو هدوئا ؛ تغطيني بتلك الانامل العذبة ...كم توقف الزمن لحظتها ..توقف وانسابت الحياة جلها كقطرة من مداد وقعت بريشة القدر ...انشودة الشتاء
رفعت براسي وإذا بوالدتي تبتسم ..قائلة :-قومي لقد غطتِ في نوم عميق ولازال الثلج رابض يعم البلدة لكنه عاد ...يحمل لك موعدا آخر .....
*** نبيلة يحياوي***
إرسال تعليق