GuidePedia

0
تغريـــــــدة الشــــــــعر العربي
بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك – الفايدي
---------------------------------------
((( نظرة في شموخ اليتيم )))
قال الامام علي بن أبي طالب :
ليس اليتيم الذي قد مات والده = إِنَّ اليَتيمَ يَتيمُ العِلْمِ .
قال أمير الشعراء أحمد شوقي :
. ليس اليتيم من انتهى ابواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا
ان اليتيم هو الذى تلقى له اما تخلت او ابا مشغولا
-----------
أين أبي يا أماه ------------ !!
نعم أن اليتم بعضه رزق و ذكاء فلا تحزن أيها اليتيم فالله يفعل ما يشاء عطاءه كله خير --------
رحم الله شوقي عندما قال :
نِعمَ اليَتيمُ بَدَت مَخايِلُ فَضلِهِ وَاليُتمُ رِزقٌ بَعضُهُ وَذَكاءُ
نتأمل اليتيم في عيون الشعر العربي القديم و المعاصر حيث يصور حالته في ابداع يفتح عقل ووجدان الانسان مع هذه الظاهرة المتجذرة سنة الحياة حيث لا خلود و لكن يتبقي الدور الانساني من خلال البعد الاجتماعي و الاقتصادي تربية ورعاية سليمة معنوية قبل المادية تأخذ بيده الي بر الامان في حب و حنان و سلام
فالمهلهل بن ربيعة - أحد أبطال العرب في الجاهلية يطوف حول ظاهرة اليتم فيعبر قائلا :
لَهفي عَلَيكَ إِذا اليَتيمُ تَخاذَلَت عَنهُ الأَقارِبُ أَيَّما خِذلان
و مجنون ليلي قيس بن ذريح يصف فقدانه لمحبوبته ليلي بأنه أمسي يتيما فيسجل لنا حالته شعرا يجسد شكواه في فاجعته قائلا :
إلى اللهِ أشكو فَقدَ لُبنَى كَمَا شَكَا إلى اللهِ فَقْدَ الوَالدَينِ يَتِيمُ
يَتِيمٌ جَفَاهُ الأقْرَبُونَ فَجِسْمُهُ نَحِيلٌ وَعَهْدُ الوَالِدَيْنِ قَدِيمُ
بَكَتْ دَارُهُمْ مِنْ نَأْيِهِمْ فَتَهَلَّلَتْ دُمُوعِي فَأَيَّ الجَازِعَيْنِ ألُومُ
أمُستَعْبِرٌ يَبكي مِنَ الشَّوقِ والهوَى أَمَ آخَرَ يَبْكِي شَجْوَهُ وَيَهِيمُ
إيليا أبو ماضي عن " اليتيم " : يقول شاعرنا
خبّروني ماذا رأيتم ؟ أطفالا. . . . . . يتامى أم موكبا علويّا ؟
كزهور الربيع عرفا زكيّا. . . . . . و نجوم الربيه نورا سنيا
و الفراشات وثبة و سكونا. . . . . . و العصافير بل ألذّ نجيّا
‘نّني كلّما تأمّلت طفلا. . . . . . خلت أنّي أرى ملاكا سويا
قل لمن يبصر الضّباب كثيفا. . . . . . إن ّ تحت الضّباب فجرا نقيّا
أليتيم الذي يلوح زريّا. . . . . . ليس شيئا لو تعلمون زريّا
إنّه غرسة ستطلع يوما. . . . . . ثمرا طيّبا وزهرا جنيّا
و للشاعر اللبناني إلياس أبو شبكة أثر طيب في قصيدة “حَرَمُ الجَمالِ عَلى سَريرِكِ يَحلُمُ”:
ما اليُتمُ أَن تُشقيكَ أُمٌّ أَو أَبٌ اليُتمُ أَن تُزريكَ عَينٌ أَو فَمُ
إِنَّ اليَتيمَ مَنِ اِمَّحى وجدانُهُ هُوَ مَن يَسوقُ الظُلمَ لا مَن يُظلَمُ
هُوَ حاكِمٌ يَشقى اليَتيمُ بِعَهدِهِ جَوراً وَمِن خُبزِ اليَتامى يُطعَمُ
وتطالعنا الشاعرة الفلسطينية فدوي طوقان في رسم صورة اليتيم الذي فقد و الديه في تصوير يكشف مدي الحزن فتقول في قصيدتها ( يتيم و أم ) :
قلّب البؤس على أوجهه لن ترى كاليتيم بؤساً محتكم
ينشأ الطفل ولا ركن له ركنه من صغر السن انهدم
ولشاعر المروج الخضراء التونسي أبو القاسم الشابي يصف في بكائية لليتم وأحواله في قصيدة “شكوى اليتيم” قائلا:
فسرت وناديت:
يا أم هيّا إلىّ !
فقد أضجرتني الحياة
ولما ندبت ولم ينفع
وناديت أمي ولم تسمع
رجعت بحزني إلى وحدتي
ورددت نوحى على مسمعي
وعانقت في وحدتي لوعتي
وقلت لنفسي ألا فاسكتي!
و ها هو شاعرنا الرائع محمد حسن علون ، يصورلنا مأساة اليتيم وكيف تعصف به الرياح في الحياة من خلال قصيدته بعنوان " في جرح يتم " يقول :
أنا يا أبي مذ أن فقدتك لم أزل. . . . . . أحيا على مرّ الزمان.. بمأتمِ
تجتاحني تلك الرياح.. تطيح بي. . . . . . في مهمةٍ قفرٍ.. ودربٍ أقْتَمِ
وتمرُّ بي كل العواصف .. والردى. . . . . . يدنو مع الأمواج..و اسمك في فمي
أنا لم أزل أشكو إليك.. ولم تزل. . . . . . ذكراك قنديل الطريق المعتمِ
و يقول الشاعر اليمني فؤاد قاسم الزهيري عن تجربته مع اليتم في قصيدته التي بعنوان " طفولة الحرمان " :
خيوط ثوب الليل من أحزاني اليتم حاك نسيجه فكساني
طفولتي ذبلت برمضاء الأسى وزهورها شوك من الحرمان
بسواد حزني أرى الحياة كئيبة ما ذقت طعم سعادة وحنان
اليتم أبدلني الحنان قساوة والحب مذبوح على وجداني
عمري بدا فيه الشتاء فبددت آمال أحلامي و كل أماني
و في الختام نقدم أجمل قصيدة رائعة عن " اليتيم " للكاتب و المفكر و الشاعر عبد الرحمن العشماوي الذي قدم لنا العديد من الاعمال الخالدة و الذي عبر لنا عنه بصدق ورؤية ابداعية واقعية عن كافة حالات " اليتيم " هنا نظما كما تجلت كتاباته الاسلامية نثرا في أعمال عظيمة -------
و من ثم نتوقف مع قصيدته الرائعة بعنوان " في نظرة شموخ " التي تقدم رؤية واقعية تجسد حالته بيننا اليوم في مصداقية هكذا نحسها في تأملاته لوحة فنية مؤثرة كلمة و معني و ايقاع يتناغم في شجن يعكس اصداء اوجاع و حزن اليتيم مع الحياة و كيف ننتصر له ---------
نظرة في شموخ اليتيم
أسمى صفاتِكَ أنْ تكون كريما وتكونَ بَراً بالعباد رحيما
أسمى صفاتِكَ أنْ تكونَ مميَّزاً بسداد رأيكَ في الأمور، حكيما
تسعى بكَ الدنيا، وأنتَ تقودُها بالحقِّ، تُسْعِدُ قلبها المهموما
تلقى الخطوبَ وأنتَ أرفَعُ هامةً منها، وتأنَف أنْ تعيش ذَميما
أسمى صفاتكَ أنْ ترى الدنيا بلا غَبَشٍ، وأنْ يبقى الفؤادُ سليما
أنْ تجعل التاريخَ يَمْلأُ كأسَه وتكونَ أنتَ رحيقَها المختوما
ترمي بسهمكَ، لا لِتَقْتُلَ آمناً لكنْ لتحرُسَ خائفاً محروما
تسعى إلى كَسْبِ العلومِ تقرُّباً للهِ، لا ليُقَالَ: صار عليما
أسمى صفاتكَ أنْ تحلِّقَ عالياً بجناح عدلكَ، تنصر المظلوما
يا حاملَ الدُّنيا على كتفِ الرِّضا يا من رأيتُكَ للجَفاءِ غَريما
يا ساعياً للخير في العصر الذي ما زال حَبْلُ وفائه مصروما
للخير أغصانٌ تطيب ثمارُها فامنحْ جَناها خائفاً وعَديما
واحملْ إلى أفيائها الطفلَ الذي ما زال في حُفَرِ الشقاء مقيما
فلَرُبَّ ماسحِ أَدْمُعٍ من مقلةٍ تبكي، رأى فضلاً بهنَّ عَميما
انظرْ إلى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ إلا صديقاً لليتيمِ حميما
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوما
وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى على كفَّيكَ زَهْراً بالشَّذَا مَفْغُوما
ولسوف تُبصر في فؤادكَ واحةً للحبِّ، تجعل نَبْضَه تنغيما
ولسوف تبصر ألفَ ألفِ خميلةٍ تُهديك من زَهْر الحياةِ شَميما
ولسوف تُسعدكَ الرياضُ بنشرها وتريكَ وجهاً للحنانِ وسيما
انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له عَطْفاً يعيش به الحياةَ كريما
وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما يرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما
لولا الحنانُ لَمَا رأيتَ سعادةً لولا السماءُ لَمَا رأيتَ نجوما
لولا الرّياحُ لَمَا رأيتَ لَواقحاً لولا البحارُ لَمَا رأيتَ غيوما
لولا الغصونُ لما رأيتَ ظِلالَها لولا الرعودُ لَمَا سمعتَ هَزيما
لولا الربيعُ لما رأيتَ زُهورَه تشدو، ولا لامَسْتَ فيه نَسيما
يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيما
ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ منها نجهِّز للحياةِ عظيما
ونحوِّل الحرمانَ فيها نعمةً كُبْرى تُزيل عن الفؤادِ هموما
قَسَمَ الإلهُ على العباد حظوظَهم فالكلُّ يأخذ حَظَّه المقسوما
وسعادةُ الإنسانِ أن يرضى بما قَسَمَ الإلهُ، ويُعلنَ التَّسليما
قالوا: اليتيمُ، فقلتُ: أَيْتَمُ مَنْ أرى مَنْ كان للخلُقِ النَّبيل خَصيما
قالوا: اليتيمُ، فقلتُ أَيْتَمُ مَنْ أرى مَنْ عاشَ بين الأكرمينَ لَئيما
كم رافلٍ في نعمةِ الأبويْن، لم يسلكْ طريقاً للهدى معلوما
يا كافلَ الأيتام، كفُّكَ واحةٌ لا تُنْبِتُ الأشواكَ والزَّقُّوما
ما أَنْبَتَتْ إلاَّ الزُّهورَ نديَّةً والشِّيحَ والرَّيحانَ والقَيْصُوما
أَبْشِرْ فإنَّ الأَرْضَ تُصبح واحةً للمحسنين، وتُعلن التكريما
أبشرْ بصحبةِ خيرِ مَنْ وَطىءَ الثرى في جَنَّةٍ كمُلَتْ رضاً ونَعيما
قالوا: اليتيمُ، وأرسلوا زَفَراتهم وبكوا كما يبكي الصحيحُ سَقيما
قلت: امنحوه مع الحنانِ كرامةً فلرُبَّ عَطْفٍ يُوْرِثُ التَّحطيما
ولَرُبَّ نَظْرةِ مُشفقٍ بعثتْ أسىً في قَلبه، جَعَلَ الشفيقَ مَلُوما
قالوا: اليتيمُ، فَمَاج عطرُ قصيدتي وتلفَّتتْ كلماتُها تَعظيما
وسمعْتُ منها حكمةً أَزليَّةً أهدتْ إِليَّ كتابَها المرقوما:
حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيما
بعد التجول في رياض الشعر الانساني مع حالة " اليتيم و اليتم " من اتجاهات عدة جلية تجسد المشهد الانساني من خلال البعد الديني و الاجتماعي و الاقتصادي حالة مركبة تستحضر المأساة بحجم الاوجاع كي يستلهم منها المبدع نظرات و تجارب تساعد المجتمع في النهوض باليتيم كأنسان لا يشعر بفقدان الابوين او كلاهما مثل الآخرين من خلال التكافل و الرحمة و بهذا تكتمل رسالة الفن و الابداع و لا سيما النص الشعري بحواس تمسك بلحظات الضعف و الانكسار الي التعويض و الانصهار معا في حنان و حب و سلام هكذا يكون المجتمع دائما
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله -
===========


إرسال تعليق

 
Top