GuidePedia

0

نجوم سمائي تبرق عند انحسار أمواج شطآني الغريقة ..للفردوس الساكن في أعماقي مساحات شاسعة تومئ للقادمين من محطات الصبر والانتظار ..أجلب له الفطور كل صباح ،يجلس في حديقة الدار وأسكب له الشاي و
أقدّمُ له الفطور الذي يحبه ،أنحني قليلا لينسدل شعري من خلف الملاءة ليتطاير عطري ليزور أنفاسه ،يتغلغل في أعماقه أجدني أحسب لكل خطوة حسابها.. ،أتقمص الدور ببراعة أحسد نفسي عليها ،لاتفوتني واردة ولا شاردة عن تفاصيل طلباته ..أمه المريضة الراقدة منذ سنين في سريرها ،أقوم بخدمتها على أكمل وجه ..أستدعيت لخدمتهم منذ أشهر .. بيتهم الكبير المطل على نهر دجلة يضم العشرات من الغرف نسائم دجلة تلفح جدرانه في كل حين ..هو يكبرني بعشر سنوات ،لايتجاوز عمره الأربعين ،اضطررتُ للخدمة بعد ان فقدتُ أبي في الحرب وفقدت أمي في انفجار سيارة مفخخة.. ليس لي أحد سوى عمتي وزوجها الكسيح ..لم افكر يوما ان أكون حبيبة أو زوجة له ..أنا مجرد خادمة لم تكمل تعليمها الابتدائي ..هو يعمل مديرا لمؤسسة حكومية أجهل إسمها ، يخرج كل يوم إلى دوامه المعتاد ولا يعود إلاّ بعد الثانية ظهرا وباقي الوقت يقضيه مع أصحابه وربما مع صاحبة أو حبيبة ؟؟لستّ متأكدة من ذلك ..كل نصف ساعة يسألني عبر جهاز الموبايل عن أمه في الدوام وخارجه ,,
كان يكلمني بكلمات مقتضبة ويغلق الهاتف ..تحاصرني رغبة ملحة تدفعني إلى اغرائه والفات نظره نحوي .. أود أن أشعره بجمالي واكتمال أنوثتي ..لي رغبة في أن أحطّم كبرياءه..أخطط لأشعال نار الشوق والحب في داخله نحوي ..يؤلمني فيض انكساراتي على جدران تعنته وغروره ..فكرة إذلاله واخضاعه تلح علي ؟؟خطرَ لي أن أرتدي ثوبا ضيقا واسع الصدر ..لذا اقتطعت من مصروفي الذي أرسله لعمّتي وأشتري به ثوباً يوافق مزاجي ..كان ثوباً ضيّقا تبرز منه مفاتني وجزء من صدري البض .
غطاء رأسي حسرته عن جبهتي ليبان شعري الأسود الفاحم ..كنت كلما قدمت
له فطوره الصباحي أتعمّد أن ينسدل شعري على عيني كي لا يقرأ ما أفكر فيه ..يخطف نظرة سريعة على صدري الناهد وينشغل باحتساء الشاي ..كنت ألمحهُ من خلل شعري الذي يغطي عيني ..كيف يضطرب الحب في داخله ..ابتسمُ بمكر وانسحب الى غرفتي أنظر بوجه المرايا بزهو ..انا أعلم أنه لايستطيع مقاومة اغرائي له ..ولكنه لم يستجب إنه يقاوم عيثا ..لم أجعله ينظر إلى غيري ولن يكون ..كنتُ اتمنى أن أبوح لأمه المريضة بمكنون لواعجي ..إنها تؤثر الصمت وقلما تنطق بكلمة واحدة ..
كلما نأت
بي المسافات البعيدة يتحفز الصحو المتسرب بداخل عروقي الميتة ..أحيانا أجد
نفسي عند مفترق طرق تتزاحم فوق رأسي الأسئلة وتؤرقني أفكاري المضطربة وينهشني
ذلك الطائر المخبول ..ماذا أفعل لأجعله في شباكي ..كيف أحطّم غروره ؟ الطائر مازال ينوح بداخلي ..كلماتي الناعمة وامتطاءي لصهوة حروفها تتبعثر كظلي على قارعة التيه ..مرتّ
سنتان و هو على تلك الحال ..لم أسمع منه كلمة رثاء ترتّق روحي .. تعيد إليّ توازني وتنقذني من دوائر الوهم التي تلفني ..لماذا يجعلني خلف نوافذ الغيوم ؟لم لا يحيطني بيديه ويحتوي أحلامي ..على غير عادته طرق الباب ..جاء معه رجلان ببدلاتهم الرسمية ..يحملانه قال لي أحدهم ..
_من فضلك أرشدينا إلى غرفته ..هرعتُ مسرعة لأوضّب له فراشه ..عندما استقرَ على سريره كنتُ انا خارج الغرفة ..سمعتهم يتحدثون .لم أفهم ماكان يدور بينهم ؟بعد لحظات غادر الرجلان غرفته ..التفت إليّ أحدهم قائلا :
_من فضلك كوني له عونا على ما ألمّ به _
_ماذا أصابه ..أخبروني أرجوكم .؟.
_كسر بسيط في كاحله ..اثر تعثره بالسلّم ...قالا ذلك ورحلا ..عدتُ إلى سيدي اطمئن على حالته ..قال لي دون أن أسأله ..أنه تعرّض لحادث سيارة وأوصاني أن لا أخبر أمه المريضة بذلك ..الأيام الأولى لإصابته زاره الأصحاب والأقارب ثم انقطعت الزيارات بعد أسبوع ..سيبقى أسبوعًا يليه أسبوع ثان ..سيكون قريباً مني ..تلك فرصة لن تتكرر ..كنتُ أساعده على تحضير عكازيه ليجلس في الحديقة أو ليزور
أمه بالغرفه الخلفية ..لم يقل لي سوى كلمة شكرا ..يتركني بلا جواب ألقي بقناديلي في غيهب الظلمة قناديلي مطفأة تفتقد لزيت الأشواق والوله ..جروح آهاتي الغائرة أسفل الطرقات تعلن صيحتها لتقول :ُجد عليّ ولو بنظرة واحدة ..لمَ لاتطيل النظر .. ؟تعال أجلس بجوار القلب تعال بلّلني بندى بوحك ورنة صوتك الحنون ؟هل اجتاحني جنون الحب هل تسلقت روحي سنابل العشق ؟ آه من فيض الوله الذي صعد قاع روحي المعفرة بالدموع ..همهماتي الصامتة متى تنطق ..أريدها ان تصرخ ؟هذا الرجل أحبه .. عليّ أن اغسل أدراني بثوب الحزن وأطرد تلك الأفكار العدوانية من أن تحبط انفعالاتي الصادقة ..
.تطاردني خطيئتي في أن أتسلق سلّم الغفران ..هذا الرجل لايستحق أن أحطّم كبرياءه ؟كبرياؤه يطوقني بفرح طفولي . .لقد وقعت في حبه ..أرغب الآن أن أغرز أسناني بشفتيه .. أريد أن أحتضنه ليحتويني ..أود الإختياء تحت أبطيه ..كم أحتاج إلى أن يوشحني برداء الحنين ..لقد شفيتْ قدمه المكسورة وسيعود لممارسة عمله وسبفارقني لساعات طوال ..لم أعد أستطع الصبر وهو بعيد عني ..وقوعي في المحظور يرغمني الآن على الرحيل ..لا شيء سوى الرحيل من يضمّد جراحاتي؟ ..
أدركتُ اخيرا أنه لا يمكن ان يحبني أو يفكر بي ..بقائي لا طائل منه طالما تتآكل أحلامي ويتملكني الاحباط التام ..ها أنني أعانق مرايا الأحزان ..الدمعة لا ىتفارقني .. حاصرني سيل اليأس وذاب حلمي كوردة ذابلة فارقت النبع ..أصبحتْ سمائي بلا نهاية فقررتُ أن أهجر هذا البيت ..
كعادتي عند تقديم فطوره الصباحي ..وضعتُ أمامه الفطور ولم أنسحب ..وقفتُ أرقبهُ وهو يتناول
افطاره ..لم يكن منتبها لوجودي ،كان يظن أني انصرفت عنه ..لمّا رفع رأسه حدجني مقطّبا حاجبيه قائلا :
--ها حليمة ..ماذا هناك ..هل من شيء ؟ترددتُ في الإجابة ولكن لساني هتفَ بمرارة :
_أستاذ ..اسمعني أرجوك ...نظر إلي وهو يزّم على شفتيه مستغربا ..قلت له مستطردة :
--أُريدُ أن أتركَ الخدمة عندكم ..سامحني أرجوك .عليّ أن أعود إلى دياري ..أطرقَ قليلا ثم دعس سيجارته بقدمه ونهض واقفا ..لأول اشاهده ينظر إلي بتلك
النظرة ..همس بألم :
__هل ضايقكِ أحد ؟ أوه تريدين زيادة في الأجر ..كان عليك أن تخبريني قبل هذا
__
أرجوك ..ليس من أجل المال ..عطاءكم كبير وفضلكم سابق ..ولكني أريد أن أرتاح ..أعذرني سيدي .
تقدمَ مني بخطوات حتى كاد يلامسني ..وضع كفه على كتفي وهو ينظر في عيني :
__أتتركينا وترحلين؟
__نعم سيدي لابد من الرحيل ..مرّت عليه لحظات حزن عميقة ..خلتها دهراً، قال لي :
---أبقي لأ جلي ياحليمة ...رفعتُ ناظري أليه وألتقت العيون ..لأول مرة أطيل التحديق في عينيه واتتني جرأة غير عادية ..رأيت دمعة خفية تترقرق في عينه .لمحت في شفتيه ارتعاشة ..ارتعاشة نسفتْ أمواج عنادي وكبريائي ..أربكتني دمعته وهي تهرب منسدلة على خده ..
أمسكَ بذراعي وهتفَ كالأسد الجريح :
__أرجوك .. ابقي من أجلي أنا ...لم أصدّق ماسمعته أذناي ..حاصرتني لحظة توجع غريبة ألهبت النار في فؤادي ..اتقدت مواقدي المنطفئة وأشرق صباحي ..نسمات دجلة تدغدغ خديّ الأن أكثر من أي وقت مضى .. لقد بكى ..لم أكن
أتوقع أن يكون هكذا ..لم أرهُ من قبل يبكي
بكل تلك الدموع الساخنة.

إرسال تعليق

 
Top