GuidePedia

0
بين اليوم والأمس لا نزال نترنح نحن العرب ، ولا أقصد بذلك الملوك والرؤساء ولا أقصد أيضا رؤساء المؤسسات والهيئات والجماعات والجامعات وإنما أقصد البسطاء من الناس والمثقف العربي والمثقف العادي وكل من تتحطم أعصابه من افتقاد وعينا ؛ ففي قراءتي لبعض رسائل النثر في العصر الجاهلي وجدت أن الملك النعمان كان عند كسرى وقد قابل الوفود من كل أنحاء العالم قبل قدومه وأخذ الملك يرفع من قدر العرب وخصالهم وأفعالهم عن كل الدنيا حتى عن الفرس أنفسهم وقد كان الملك يدين يحكم العرب بالولاء للفرس ولقد اقتنعت الوفود بكلام النعمان ، فلما قدم كسرى أخذ كسرى يرفع قدر كل الأمم ويعلو بشأنهم ماعدا العرب فأخذ يصفهم بأحط الصفات ، فغضب الملك النعمان وعمل على تجهيز العلماء والعباقرة في بلاده وشحذ همتهم لإقناع الفرس وكسرى بأهمية العرب ، وهذه نفس التاتورة التي نشربها الآن من أهمية إرسال الوفود والعباقرة لإقناع الغرب بأننا لسنا إرهابيين ولا ديننا يمثل ذلك ، وبين تاتورة الأمس واليوم نجد أزمنة قديمة وحديثة للعرب لم ننفعل بمشاعر النقص تجاه الآخر وإنما انصرفنا ببناء الحياة من داخلنا من خلال رويتنا المستنيرة دون إرسال العباقرة للغرب لإقناعهم بصحة إسلامنا وسلامته من موضع الاتهام فنظرنا في مرآتنا للبحث عن إرادتنا ولم ننظر في مرآة الآخرين للبحث عن وعينا ، ولا أريد أن أجرى وراء الأسباب الموضوعية لهذا الانفعال بين الأمس واليوم فهذا شيء يعرفه أهل الذكر والفكر ، وإنما أريد أن أقف عند التاتورة التي شربنا في العصر الجاهلي ونشربها اليوم ، فقد رحل أجدادنا للفرس لإقناعهم بسمو سمات العرب وعلو منازلهم الأيام والليالي الطوال وهذا لم يرفع العرب شبرا ولم ينقص من الفرس شبرا ، بل إن العرب ازدادوا انتقاصا بالجري وراء ذلك وانصرافهم حول ما يجب أن يجتمعوا عليه وازدادوا انتقاصا حينما شربوا مقلب الفرس آنذاك بالانصراف عن الجد وعدم الاجتماع عليه واجتماعهم وانفعالهم بالتفرق حول إقناع الآخرين بما لا يفيدنا هذا الإقناع في شيء ولا يمثل ذلك وسائل الدعوة المدنية المتحضرة بالوحدة والارتقاء ، ولا أريد الوقوف حول أصابع الاتهام لذلك كله بقدر ما أريد أن ننصرف عن هذا العته ونتناسي مشاعر النقص وشرب مقالب الغرب بهياجنا وهوسنا وأريد أيضا أن ننصرف إلى ملء قلوبنا بالثقة بالنفس واليقين والاجتماع حول الجد لتغيير حياتنا من حولنا فإن الآخرين يخططون لهدمنا ونحن نذعن دائما لإرادتهم ولا نريد أن ننصرف مرة واحدة إلى إرادتنا .

إرسال تعليق

 
Top