حبلى هي أعصابي بالحروب مليئة بأزيز الطائرات و رعد القذائف و الانفجارات ، و كنت في كل ليلة أحلم بفارس احلامي يمتطي الفرس الابيض و يأخذني الى أرض لا تتسع سوانا و نعيش تلك الاوقات التي ما عرفنا بها الهدوء مذ كنت في رحم امي و الاصوات تتكرر الى اليوم ، كبرت و كبرت التفاصيل سواء بالحرب او بفارس الاحلام و اصبحت صبية من زرقة البحر عيناي و من التوت شفتاي شعري سلاسل الشمس الذهبية ، أحبني ابن الجيران و احببته و أٌفلت قلبي عن ذاك الحلم شاطرته الحروب من جديد كان مهري حفظه القرآن مؤخري شهادة ، اما بيتي فكان تلك الغرفة ذات السقف الخشبي لكنها بوطني لم أكن غريبة مشردة ، تعبه من شدة الشوق للرمال البحرية على شاطىء غزة و لن أضيع بين الشوارع فأنا منذ صغري حفظتها عن ظهر قلب ، و تزوجنا كان كل ليلة يصلي و يملأ ثلبه الدعاء ( ربي تقبلني شهيداً ) كنت سعيدة بدعائه و شقية بقلبي ففراقة سيكون وجيعة ُتفطر آمالي و يوصيني أن اقبله و ابتسم ان جاءني شهيداً مرت الشهور و أصبح رحمي مزهراً بشهيد جديد توالت الأيام و بشهري الخامس من الحمل بليلة اخيرة مع ذاك الفتى جامعتني الأحلام بالجنة رسمت لي عطره شهادة ووجهه المبدر في سماء الانبياء أقمر ، صحوت و لساني يردد خذني معك ، خذني معك وبدأت افتش عنه ليس بسريره الدافيء ، اخذت اكبر و استغفر و بقيت للصباح اسمع دوي الحرب تصدح في سماء مدينتي و صورته لا تفارق احداقي دموعي تتكاثف لتهطل وجعي ، خوفي ، ثم دق الباب والدي ، قال لي صباحك شهادة با بنتي ، قلت استشهد عمار هزَّ رأسه و تنهد واخذني بين أضلعه لعله يمتص تلك الصدمة و ما علم اني بُشرتُ ليلاً بها ، جاء موعد التشييع و أتوا بملاكي الجميل نائما بهدوء بسمة تغار منها الحياة قبلته و رفعت دموعي عن حدود بيتها ابتسمت و استحلفته الا يطيل الغياب علينا فنحن نفتقده كثيراً و سارت مواكب شهادته تهرول ساعية للقاء الله ، أتت أشهر و رحلت أخرى جاء موعد المخاض ، اليوم سيولد شهيد جديد كانت ولادتي يسيره رغم عسر النهار في غزة رغم السواد الكثيف من الركام ، رغم الجثث النابضه المنتظرة تشيعيها لخالقها رغم الدماء و الاشلاء المبتورة في كل الانحاء ، كانت يسيره لم يكن وجعها اكبر من وجع وطني صرخ ياسر معلناً تواجده بقوة كانت ملامحه تحمل ابتسامة والده و نبضه يسري به كرامة وطن عيناه تحمل رسالة السماء ، احتضنته لصدري بقوة قبلته و اشتممت حنيني لعمار ، ثم بكيت ، بكيت كثيراً فهناك صوت داخلي يردد جاء عمار ليأخذكم ، كانت دموعي دموع فرحة سنلتقي من جديد لن يتيتم ولدي ، أسررتها داخلي و نمت و بصدري ذاك الطفل الرضيع يًنهم من حليب صدري بقوة يريد زناده سلاحا عينيه رصاصا ذكائه اختراعا ، كم كانت مشاعري مرتبكة و لم استطيع تهدأتها لا مسكن سوى ذكر الله ، أغلقت بصري على صورته و نمت تلك الليلة بعمق كبير ، وجدت عمار يحمل ياسر و يغبطني بسروره ، اخذني الى صدره و قبل جبيني ثم قال :- لم أطل الغياب عدت سريعاً ، وجدتني أرى جسدي تحت الركام وعلى صدري صغيري ، والنار تلتهب بسماء الحرية وتنطفأ بأرواحنا و تحقق الصدق صدقنا الله فصدقنا
هنا الشهادة
هنا الشهادة
إرسال تعليق