GuidePedia

0
أخبار السابقين، وقصص الأولين، وسير الماضين؛ من أهم وسائل تربية النفوس، وتأديبها على الصالح من الأفعال والأحوال والأقوال، وها نحن اليوم نعيش مع حال ثلاثة نفر عاشوا لحظات ضيق وكرب؛ لكنهم كانوا أصحاب رصيد من الأعمال الصالحات؛ ففرج الله تعالى عنهم كربتهم، وأعطاهم بعد المحن منح وكانت تلك كرامة من الله تعالى لهم، والابتلاء بالشدائد من سنة الله تعالى في عباده المؤمنين .وقصة أصحاب الصخرة تدل على أهمية النية والإخلاص لأي عمل، وأن الأعمال بلا اخلاص كأشباح بلا أرواح. كما أنها تدعوا إلى الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة ، ودعاء العبد مولاه ،والله يسمع دعاء من يناجيه ؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]. والحديث الذي نحن بصدده فيه التصديق بكرامات الأولياء .
روى الشيخان وغيرهما عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ "النفر: الجماعة من ثلاثة إلى عشرة و لم يذكر في الحديث أسماء هؤلاء النفر لأنه ليس هناك كبير فائدة في معرفة ذلك فالعبرة فيما وقع منهم من أحوال وأفعال. "مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى آوَاهُمُ " أي ألجأهم المَبِيتُ إِلى غَارٍ "أي إلى بيت منقور في الجبل. فهؤلاء الثلاثة دخلوا الغار لكي يأمنوا من طوارق الليل البهيم ، ويرتاحوا من وعثاء الطريق ، فأتاهم الأمر من حيث لم يحتسبوا فلا ينجي حذر من قدر " فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ " أي مالت وهبطت وسقطت. "صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِح أَعْمَالِكُمْ. وفي رواية "فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينُجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه،" أي فليتضرع إلى الله كل واحد ويلجأ إليه في طلب كشف الضر ويتوسل إليه بأرجى عمل عمله في الرخاء. وعندها ذكر كل واحد منهم عملاً صالحاً واكتفى به ، مما يدل أن المؤمن قد تكون له خبيئة من الأعمال الصالحة هي من أرجى أعماله عند الله تعالى ، فيختار بعضها وإن كان له غيرها "فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لَا أَغْبُقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلَا مَالاً " " الغبوق بفتح الغين المعجمة: هو الذي يُشْرَب بالعشي، ومعناه كنت لا أقِّدم على أبوي في شرب اللبن أهلاً ولا غيرهم ، فَنأَي "أي: بعُد "بِي طَلَبُ شَجَرٍ يَوْماً، فَلمْ أَرُحْ عَلَيْهِمَا حَتى نَامَا" أي لم أرجع آخر اليوم، " ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، فَكَرِهْتُ أَن أَغْبُقَ أي: أن أسقي، قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلى يَدِي، أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتى بَرِقَ الْفَجْرُ أي حتى تلألأ وأضاء.- وزاد بعض الرُّواة: " وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ " أي يصيحون من الجوع.. - فَاسْتَيْقَظَا فشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ أي اتسعت الصخرة شَيْئاً لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْه " وقوله : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ " يدلك على أن الإخلاص من أسباب تفريج الكربات وهذه الجزئية من الحديث تؤكد على فضيلة برّ الوالدَين، وأنَّه من الأعمال الصَّالحة التي تُفرج بها الكربات؛ قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، وفي الصَّحيحَين من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألتُ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصَّلاة على وقتِها))، قال: ثمَّ أيّ؟ قال: ((ثمَّ برّ الوالدَين))، قال: ثمَّ أيّ؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يذكر صورة من صور بر الوالدين، فهذا الرجل الذي له أبوان شيخان كبيران جاء متعباً من الرعي، ومع هذا لم يشرب اللبن مع شدة جوعه، ولم يطعمه لزوجته ولا لأولاده إلا بعد أن استيقظ أبواه في الصباح فسقاهما، فكيف حالنا نحن مع آبائنا وأمهاتنا؟ وما مقدار تحملنا وصبرنا عليهما، وهل عملنا مثلما عمل هذا الرجل؟ والحديث فيه أن حق الوالدين مقدم على حق الأولاد وحق الزوجة ،ومن عُرف ببر والديه ، والقيام عليهما ، ثم شغلته بعض العوائق التي لا يمكن دفعها ؛ فحصل منه نوع قصور في حق والديه ، وكان من نيته عدم الإخلال بحقهما ، فيرجى أن يعفى عن ذلك وأنه لا أثم عليه .وعلى المرء أن يبتغي في بره بوالديه وجه الله تعالى ، وليس على سبيل العرف والعادة ، أو خشية من كلام الناس . وعلى المسلم أن يحرص في بره مع والديه أن يصل إلى الكمال ، والمراتب العالية ، وينافس فيها ، حتى ولو رضي الوالدان منه بأقل مما يسعى إليه ويطمح في تحقيقه.
ثم قَالَ النبىُّ - صلى الله عليه وسلم " قَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كانَتْ لِى ابْنَةُ عَمٍّ كانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِليَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، أي طلبتها وراودتها فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتى أَلَمَّت بها سَنة مِنَ السنِينَ "السَّنَة: العام القحط أو المقحط الذي لم تنبت الأرضُ فيه شيئاً، سواء نزل غيث أم لم ينزل ،" فجَاءَتْني، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائةَ دِينَارٍ، عَلى أَنْ تُخْلِىَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حَتى إِذا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتمَ إِلّا بِحَقِّه" وكلمة تفضُّ الخاتم كناية عن الوطء. أي لا تدخل عليَّ الا عن طريق النكاح الحلال وبالعقد الشرعي. وكما هو معروف شرف المرأة في عرضها – بعد تمسكها بدينها – لذلك كان حفظ الأعراض من الضروريات التي جاء بها الشرع ، فعلى المرأة أن لا تفرط في هذا العز المكين . يقول الرجل "فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، لما يجلب عليّ من الإثم. " والرجل ترك المعصية بعد القدرة عليها خوفاً من الله ، وحياء منه. يقول " فَانصَرَفْتُ عَنهَا، وَهىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الذِي أَعْطَيْتُهَا، اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نحْنُ فِيهِ، فَانفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْ "وقصة الرجل مع ابنة عمه تحملك على فضيلة العفَّة عن الزّنا، وأنَّ الإنسان إذا عفَّ عن الزّنا مع قُدرته عليه، فإنَّ ذلك من أفضل الأعمال، وفي الصَّحيحَين من حديث أبي هُرَيْرة - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال:" سبعةٌ يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه"، وذكر منهُم:" ورجل دعتْه امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله" وصدق القائل
وقال النبي المصطفـى إن سبعة يظلهم الله الكريـم بظله
محبٌ عفيفٌ ناشــئٌ متصدقٌ وباك مصل والإمام بعدله
لقد عظَّم الله في نفسه فكان الله معه، وحفظ الله فحفظه تعرَّفَ على الله في وقت رخاءه وسعته فعرفه الله وقت شدته وضيقه، وكم من الشباب من يشكي ضيق الحال، وقلة الأعمال، وتدهور المعيشة، وما يزال بعيداً عن الله عز وجل لا يقف عند حدوده، ولا يراعي حرماته، ولا يتورع عما نهى الله عنه.
إن الشيطان يتدرج مع العبد حتى يوقعه في ورطات الأمور ،وعظائم الجرائم ، لذلك أمرنا الله أن لا نقرب الفواحش فضلاً عن أن نقع فيها .والطعنة النجلاء ، وخيانة الأعراض قد تحصل من أقرب الناس ، لذلك سدت الشريعة كل المداخل التي قد تؤدي إلى هذه المصيبة العظمى فلا يجوز التساهل فيما قد يحصل من بعض القرابات من علاقات محرمة ، أو أن تكسى لباس البراءة ، والحب العفيف !! ، فكم حصل من جراء ذلك من ويلات ولذا يحرص الشيطان على أن يغلق على العبد أبواب الخير ، ويحول بينه وبينها ، فهذا الرجل بدلاً من أن يخطب ابنة عمه ويتزوجها ، راح يراودها عن نفسها وهذا يدلك على أن الوقوع في الفاحشة هو النتيجة الحتمية للحب المحرم ، وهو الترجمة الحقيقة لما في القلوب ، والفرج يصدق ذلك ويكذبه ،إن العفاف وترك ما حرم الله تعالى سبب رئيس لتفريج الهموم والغموم، وجلب عون الله عز وجل، وأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فهذا الشاب الذي امتلأ قوة وطاقة، وتأججت فيه نار الشهوة؛ انتفض وترك المعصية تعظيماً وإخلاصاً لربه ومولاه، فأنجاه الله مما أصابه من كرب، وفرَّج عنه وعن أصحابه شيئاً من الصخرة وبالنظر الى الفتاة نلاحظ أنها لم تلجأ إلى الفاحشة إلا لحاجتها إلى المال فغياب الرقيب ، وتفريط الولي والفقر والحاجة – مع ضعف الإيمان – قد تدفع المرء للوقوع في المحرمات ، وهل قامت سوق المومسات اليوم إلا بسبب الإغراءات المالية ، واستغلال فقر الناس ، مع ضعف الوازع الديني ، فنعوذ بالله من الفقر وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر لأنه قد يضطر بسببه الإنسان أن يرتكب ما لا تحمد عقباه مما يتلف الدين والدنيا فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر، وعذاب القبر، ومن فتنة النار، وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر..." رواه البخاري ، ومن هنا فإنه لابد من تفقد أحوال من نعلم فقرهم، والتواصي بهم، وإعطائهم ما يكفيهم، ومنحهم ما يمنعهم من ارتكاب ما حرَّم الله عز وجل لأجل لقمة العيش.
ثم قال النبىُّ - صلى الله عليه وسلم -: " وَقَالَ الثَّالِثُ: اللهُمَّ إِنّي اسْتَأَجَرْتُ أُجَرَاءَ وَأَعْطَيْتُهُمْ أُجْرَتَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الذِي لهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ أي نميته حَتى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ أَدِّ إِليَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كلُّ مَا تَرَي مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِل والْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَسْتَهْزِيءْ بِي أي لا تستهتر بي " فَقُلْتُ: إِنِّي لا أَسْتَهْزِيءُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَسَاقَهُ، فلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئاً، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نحْنُ فِيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ ".رواه البخاري ومسلم.
وهذه القصة الثالثة دليلٌ على فضْل الأمانة والوفاء وإصلاح العمل للغَير، فإنَّ هذا الرَّجُل كان بإمكانه لمَّا جاءه الأجير أن يُعْطيه أجرَه ويُبقي هذا المال له، ولكن لأمانته وإخلاصه لأخيه ونُصحه له، أعطاه كلَّ ما أثمر أجرة له؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].
فعلى العبد إذا عمل المعروف والإحسان ألا ينتظر من الناس جزاءً أو شكورا ، بل يرجو ما عند الله ، فهذا الرجل قد تعب في حفظ هذا العامل وتنميته ، ثم لما جاء العامل أخذه كله ، ولم يترك له شيئاً ، بل حتى لم يقل له كلمة ثناء أو شكر
ونقرأ رواية ثانية للقصة تقول: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"بينما ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قَبلكم يمشون، فأصابهم مطرٌ، فأوَوْا إلى غارٍ، فانطبقَ عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه واللهِ يا هؤلاءِ لا يُنجيكم إلا الصدقُ، فليدْعُ كلُّ رجلٍ منكم بما يعلم أنه قد صَدَقَ فيه، فقال أحدُهم: اللهم إنْ كنتَ تعلمُ أنه كان لي أجير ، عمِلَ لي على فَرَقِ من أرزٍّ،"و (الفَرَق): بفتح الفاء والراء مكيال معروف في الحجاز يسع ستة عشر رطلا فذهب وَتَرَكه، وأني عَمَدْتُ أي قصدت إلى ذلك الفَرَق ". . فَزَرَعْتُه، فصار من أمرهَ إلى أن اشتريتُ منه بقراً، وأنَّه أتاني يطلبُ أجرَه، فقلتُ له: اعمِدْ إلى تلك البقرِ؛ فإنها من ذلك الفَرَقِ، فساقها، فإنْ كنتَ تَعلمُ أنّي فعلتُ ذلك من خشيتِكَ ففرِّجْ عنا، فانساحَتْ اْي: تَنَحَّتِ الصخرة وزالت عن فم الغار ،والحديث يدلك "على التَّوسُّل إلى الله بالعمل الصَّالح، فإنَّ كلَّ واحد منهم توسَّل إلى الله بعمله الصَّالح أن يُزيل الله عنهم ما بهم من الضُّرّ والشدَّة. واستجاب الله لهم فيجوز للمسلم أن يتوسل بصلاته وصيامه وبره بوالديه وصلة رحمه وهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحات من أسباب الفرج ومهما اشتد الأمر وضاق فإن مآله إلى الفرج .
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
قد يعم اليأس، وقد يُخيِّم القنوط؛ لكن لا بد أن نعلم أن الله سبحانه من فوق سبع سماوات مطلع على عباده، يكشف البلاء، ويزيل الضراء، ويسمع النداء {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}(النمل:62)، بل هو القريب سبحانه من عباده؛ يجيب دعواتهم، ويرى مكانهم، ويرفع بلواهم، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة:186).
ألم يفرج الله تعالى عن موسى عليه السلام وهو في أشد الأزمات: البحر من أمامه، وفرعون من خلفه، ومع هذا كان موسى لا يزال واثقاً بربه، متوكلاً عليه
{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) [الشعراء: 61 - 62] وكان الله تعالى معه ففرج عنه: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}(الشعراء:63)، إنه فتح الله الأكرم بعد تكالب الهم والغم.
وهذا يونس عليه السلام عندما نادى من بطن الحوت في غياهب البحار
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) } (الأنبياء:87-88)، وهذه البشارة لكل المؤمنين فماذا يخافون بعد ذلك؟
وهذا هو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام يرميه قومه إلى نار عظيمة؛ فيرفع نداء "حسبي الله ونعم الوكيل"، فيستجيب الله تعالى له، ويحيل النار المحرقة إلى نار معدومة التأثير؛ بحوله وقدرته، وهو اللطيف الخبير، وهو على كل شيء قدير {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}(الأنبياء:69).
وتذكرنا قصة أصحاب الغار بما حصل من عون لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة:40).
والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى لأن فضل الله واسع، وعونه لأهل الإيمان حاصل، وقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على طريق ننال بسلوكه حفظ الله تعالى هي طريق التوكل عليه، وربط القلب باليقين بقدرة الله تعالى، وأنه بيده مقاليد السماوات والأرض، ولا يضر شيء، ولا ينفع إلا بإذنه فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف"، وأصحاب الغار الثلاثة هؤلاء قد حفظوا الله تعالى فحفظهم، وعظَّموه فأنجاهم؛ وكذلك ينجي الله المؤمنين. ونلاحظ في حديث الثلاثة أصحاب الغار أن كل واحد منهم كان له عمل مستقل غير عمل الآخر، ومن هنا نعلم أن أبواب الجنة كثيرة، وأن المجتمع يحتاج إلى كل عامل، وإلى كل التخصصات النافعة المفيدة، وكلٌ ميسر لما خُلِقَ له، والجنة لها ثمانية أبواب، فيجد المرء فيما يسره الله تعالى له سعة، ويبدع فيما يعمل، ويخلص فيه، وليست العبرة بكثرة العمل بل بإجادته وإتقانه يقول صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" ولا ينبغي اغفال حسن ظن المؤمن بربه ، خصوصاً في مواطن الشدة فأهل البلاء عليهم أن لا يقنطوا من رحمة الله فإن فرج الله قريب

إرسال تعليق

 
Top